يصادف يوم 25 أبريل مناسبة "يوم الملاريا العالمي" الذي حدّدته جمعية الصحة العالمية في دورتها الستين في مايو 2007 م مناسبة للاعتراف بالجهود التي تُبذل على الصعيد العالمي من أجل مكافحة الملاريا بفعالية .
فالملاريا هو أحد الأمراض الشائعة الأكثر فتكاً بحياة الإنسان ، ويعد الملاريا - مع فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز ، والسل - واحد من التحديات الرئيسية للصحة العامة التي تعرقل التنمية في البلدان الأكثر فقرا في العالم . وقد جاءت تسمية ملاريا - في أزمان سابقة - من كلمة لاتينية (mal aria أي الهواء الملوث بالمرض) بسبب شيوع الإصابة به بالقرب من المستنقعات النتنة ؛ لكن العلماء اكتشفوا عام 1880 أن السبب الحقيقي للملاريا هو طفيل يسمى "بلازموديوم " ؛ وفي فترة لاحقة اكتشفوا أنه ينتقل من شخص إلى آخر بواسطة أنثى نوع من البعوض يسمى "الأنوفيليس" .
ويتعرض اليوم لخطر الملاريا ما يقرب من 40٪ من سكان العالم ، ومعظمهم من أولئك الذين يعيشون في البلدان الأكثر فقرا في العالم . وكان هذا المرض منتشر على نطاق واسع لكن تم القضاء عليه بنجاح في العديد من البلدان ذات المناخ المعتدل خلال منتصف القرن العشرين . واليوم تم العثور على الملاريا في جميع أنحاء المناطق المدارية وشبه المدارية من العالم حيث يسبب أكثر من 300 مليون حالة مرض حادة ، ومليون حالة وفاة سنويا على الأقل .
من بين الوفيات الناجمة عن الملاريا ، 90% تحدث في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، ومعظمها بين الأطفال الصغار ... فالملاريا هناك تقتل طفلا أفريقيا كل 30 ثانية ! . أما الأطفال الناجين من الموت بسب الملاريا الحادة فقد يعانون من عاهات أو تلف في الدماغ . وتعد الحوامل وأطفالهن الذين لم يولدوا بعد أيضا عرضة بشكل خاص للإصابة بالملاريا الذي هو أحد الأسباب الرئيسية لوفيات ما حول الولادة ، وانخفاض الوزن عند الولادة وفقر الدم لدى الأمهات.
ومن بين الأربعة أنواع من الطفيلي المسبب للمرض ، يعتبر الـ (بلاسموديوم فلسيبارم) النوع الأكثر فتكا والأكثر شيوعا في أفريقيا واليمن ، وهو ما يمثل الجزء الأكبر من سبب الوفيات المرتفعة للغاية في هذه المناطق . وهناك أيضا مؤشرات مثيرة للقلق من انتشار هذا النوع من الملاريا في مناطق جديدة من العالم ، وعودة ظهوره في المناطق التي تم القضاء عليه فيها .
يدخل طفيل الملاريا إلى الإنسان عندما تأخذ منه بعوضة الأنوفيلس المصابة وجبة الدم . وفي داخل الإنسان المضيف تخضع الطفيليات لسلسلة من التغييرات كجزء من دورة حياة معقدة . وفي مراحل مختلفة يسمح للطفيليات التهرب من الجهاز المناعي فيصيب الكبد وخلايا الدم الحمراء ، فيتطور إلى شكل يمكن أن يكون قادرا على نقل العدوى لبعوضة مرة أخرى عندما تلدغ الشخص المصاب في وقت لاحق (10 إلى 14 يوما أو أكثر) ، وفي داخل البعوضة ينضج الطفيل حتى يصل إلى مرحلة يمكن للبعوضة أن تصيب إنسان آخر عندما تأخذ لها وجبة الدم .
تظهر أعراض الملاريا بعد حوالي أسبوع إلى أسبوعين من لدغة البعوضة المعدية ، وتختلف مع اختلاف أنواع الملاريا . ومن الأعراض ، الحمى والصداع والتقيؤ وغيرها التي قد تكون شبيهة بأعراض الانفلونزا . وإذا كانت العقاقير غير متوفرة لتلقي العلاج ، يمكن للعدوى التقدم بسرعة لتصبح مهددة للحياة . فالملاريا يمكن أن يقتل عن طريق إصابة وتدمير خلايا الدم الحمراء ( فـقر الدم) ، وانسداد الشعيرات الدموية التي تحمل الدم إلى الدماغ (الملاريا الدماغية) أو إلى الأعضاء الحيوية الأخرى .
وللوقاية من الملاريا ، فإن مكافحة البعوض هي الأسلوب الرئيسي للحدّ من الملاريا على صعيد المجتمع ، حيث تكفل بخفض سريان المرض من مستويات عالية للغاية إلى مستويات قريبة من الصفر . أمّا بالنسبة للأفراد ، فإنّ الحماية الشخصية من لدغات البعوض تمثّل خطّ الدفاع الأوّل للوقاية من المرض . وفي بعض الحالات يؤخذ دواء وقائي عند السفر إلى مناطق موبوءة .
وتتدخل السلطات - بمساعدة البرنامج العالمي لمكافحة الملاريا – من خلال تدخلان رئيسيان يضمنان مكافحة البعوض مهما تنوعت الظروف ، هما :
(1) توزيع الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات المديدة المفعول في إطار برامج الصحة العمومية ذات الصلة ؛
(2) الرشّ بمبيدات الحشرات في الأماكن الداخلية بما لا يقلّ عن 80% من المنازل في المناطق المستهدفة . ويضمن هذا الرشّ فعالية لفترة تتراوح بين 3 و6 أشهر ، حسب المبيد المستخدم ونوع المسطحات التي يتم رشّ المبيد عليها .
وفيما يعاني سكان عدن ولحج وأبين من انتشار الملاريا ، لوحظ نشاط الجمهورية اليمنية فقط عند الإعلان في يوم 20 فبراير الماضي عن حملة توزيع الناموسيات المشبعة بالمبيد ذي الأثر المديد لمكافحة الملاريا في محافظة حجة . وربما أن معظم سكان اليمن – وبالذات في المناطق التي يتكاثر فيها البعوض - لم يسمعون بعد عن ذلك النوع من الناموسيات .
وبالرغم من أن إجمالي ميزانية المنحة المقدمة لليمن من الصندوق العالمي ، للفترة من 2008 إلى 2013 ، قد بلغت 27,862,946 دولار أمريكي ، فلم يرَ سكان عدن والمدن المجاورة خلال هذه الفترة ، أدنى إجراء لمكافحة البعوض الناقلة لهذا المرض الخطير أو الاهتمام بالمرضى ، بل أن مياه المجاري التي تغطي معظم الشوارع ، تبدو مشروعاً "نموذجياً" لتنمية البعوض بدلا عن مكافحته .
د. عبيد البري
http://www.14october.com/news.aspx?newsno=3049774
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق