الجمعة، 10 مايو 2013

العصيان المدني الجنوبي .. وعصيان المهاتما غاندي


يُقصَد بـ"مدنيَّة" العصيان أن طبيعة الفعل ذاته سلمياً حضارياً .. لكنه لا  يقتصر على  المدنيين دون العسكريين ، أو على  فئات أو طبقات دون أخرى ، لأن أهدافه  في أي زمان  ومكان تحمل  أبعاداً  وطنية  وسياسية  واجتماعية  لمصلحة  أي مجتمع بشري .

ووفقاً  للمواثيق الدولية  لحقوق الإنسان ، فالعصيان المدني هو  وسيلة  مشروعة  ولا يجوز للحكومات قمعه . وهذا ما  جعل  جمال  بن عمر يصرّح  أمام  مجلس الأمن الدولي عن وجود عصيان مدني متصاعد  في الجنوب يستقطب أعداداً  كبيرة من الشعب  وتتزايد معه الدعوة  إلى  الانفصال .

فعندما تقوم كل فئات الشعب  بالعصيان المدني ، لا تستطيع الحكومة أن  تقمع حركة الشعب كله . ومع هذا فواقع الحال في  الجنوب  هو  أن  الحراك الثوري الشعبي لا  ينتمي إلى دولة قائمة  ولا تعنيه  قوانين سلطة صنعاء ، وخاصة أنها  لا  تحترم  قوانينها  والقوانين الدولية ؛ وهذا ما جعلها عبارة عن عصابة نهب همجية  تمارس فساداً سلطوياً .. ويهدف العصيان المدني بقيادة الحراك الثوري الجنوبي إلى رفض وجودها في الجنوب .

بيد أن  المهاتما غاندي الذي  قاد  العصيان  المدني في  بلاده  الهند ،  أشتهر بمقولته : " لو أن الرجل  يشعر أنه  ليس من  الرجولة  طاعة  القوانين الجائرة ، فلن  يستطيع أي طاغية أن يستعبده " .. وخاطب  بريطانيا  كقائدٍ  ورمزٍ  للعصيان المدني  الهندي في سبيل الحرية والاستقلال  قائلاً : "نريد نفس الحرية التي يريد تشرشل من البريطانيين أن يموتوا في سبيلها" .

ومن نافلة القول ، تتشابه  حركة  العصيان الثوري في الجنوب مع حركة غاندي  في هدف  نيل الاستقلال سلمياً ، لكنهما  تختلفان في  أن الهند  كانت  تستعمرها حكومة  الإمبراطورية  التي لم تغيب عنها الشمس ، بينما  الذين غزوا  الجنوب  هم  العصابة  التي  لم  يفارقها  الظلام  . وتتشابه  أطماع  الغزاة  في  نهب  خيرات  المستعمرات ، إلا  أن  بريطانيا  جاءت  إلى  الهند من خلف البحار ،  والجنوب  غزته  عصابة  النهب  من  البلد  الجار .

في عام 1919 أعلن غاندي القطيعة  مع المحتل  ودعا  إلى العصيان المدني ، فاستقال الموظفون وأضرب الطلاب وهجر المتقاضون المحاكم ، ودعا  إلى المقاطعة  الشاملة  للبضائع  البريطانية  والمنسوجات القطنية  لأن  الشركات البريطانية كانت تشتري القطن الهندي بثمن بخس ثم تبيعه  للهنود قماشاً  بأثمان باهظة ؛ وشجع العمال على غزل القطن في أوقات فراغهم لتتعطل مصانع بريطانيا فينتفض العمال ضد ملاك المصانع ، حتى تطورت الفكرة إلى إحراق الأقمشة البريطانية باعتبارها  رمزاً  للاستعمار .

وفي عام 1930 بدأ غاندي  بـ"مسيرة الملح" عندما احتكرت الحكومة البريطانية  استخراج وبيع الملح ، فقاد  المئات من الهنود  في اتجاه  البحر مسافة 320 كم  سيراً على الأقدام لاستخراج الملح  من أجل مقاطعة الحكومة . وبهذا  نبَّه غاندي  الشعب إلى اقتناص الوقت المناسب للقيام بالعصيان عند  ممارسة المحتل طغيانه ، ليكون عصياناً  شاملاً  ومؤثراً  تتردد أصداؤه على أوسع نطاق محلياً وعالمياً .

وهكذا  استمر المهاتما غاندي في سياسة الـ "لا عنف" بأساليبه المتنوعة مثل المقاطعة والعصيان المدني والاعتصام  والقبول  بكثافة  الاعتقالات  وعدم الخوف  من الموت ؛  لأن الهدف هو  إبراز الظلم  لتأليب الرأي العام عليه  ومحاصرته والقضاء عليه .

لكن غاندي لم  يدعو  يوماً  إلى قطع الطرقات العامة  مثلما يحصل في بعض مناطق الجنوب ، بل وجَّه  الأنظار نحو  تعطيل شركات المحتل التي تنهب ثروات بلاده ، فكانت النتيجة حصول الهند على استقلالها عام 1947 لتصبح كبرى ديمقراطيات العالم .

د. عبيد البري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق