تتزايد اهتماماتهم بحل قضية الجنوب
، إلا أن مفهومهم للقضية يختلف تماماً عن المعطيات والحقائق التي تجد تعبيرها على
أرض الواقع ! .. ولذلك ، أليس من الواجب التعريف بالقضية أولاً قبل طرحها للحل ؟!
.. ألم يكن بن عمر معنياً في القيام
بهذا الدور ؟! .. فمن تعريفها سنعرف الإجابة
على السؤال المحير : هل سيتم مناقشة القضية حسب نشوءها وتطورها وخلفياتها ونتائجها
وما آلت إليه ، وبالتالي تقييم الوضع الحالي في الجنوب وتسميته ، أم أن الاتجاه للحل سيكون بحسب النظرة النفعية لحكام صنعاء والقوى
النافذة فيه ؟! .
لقد سمعناهم كثيراً يصفون الوحدة
اليمنية بأنها ذلك الوضع الناشئ بعد الغزو
العسكري للجنوب ، حيث أكدوا بأنها الوحدة التي " تعمدت بالدم " بدلاً عن
أي اتفاقات سابقة على الوحدة بين الشمال والجنوب .. وفي وضع كهذا ، ربما نجد في
التاريخ إمبراطوريات ضمت إليها دول بالقوة مثلما حصل للجنوب ، لكن لن نجد مثل الظلم
الذي وقع على شعب الجنوب بعد الاستيلاء على أرضه وثرواته .. فقد حُرم الشعب
الجنوبي من مكاسبه ومقدراته وحتى من حقوقه في الحياة وكل ما يحتاجه الفرد والمجتمع
من حقوق يكفلها الإسلام والعرف والقانون ،
وتكفلها القوانين والمواثيق الدولية .
وفضلاً عن انتهاك حقوق الشعب الجنوبي في الحياة ، التي يشهدها العالم بوضوح
متمثلة ً بالعدد المتزايد من الشهداء والجرحى في ساحات النضال السلمي ، توجد طرق
أخرى للظلم والعقاب الجماعي للشعب ؛ وتنتهك حقوقه بشكل جماعي بمعرفة ومساعدة بعض من العناصر الجنوبية التي تشكل غطاء لكل
أنواع الانتهاكات لحقوق الشعب الجنوبي في
سكنه وعمله وتعليمه ومعيشته وحريته .. حيث دُمِّرت المشاريع التــنموية في الجنوب
وحرم الشعب من إقامة مشاريع بديلة أو جديدة .
ومن هنا ، ليس غريباً أن يقوم الرئيس هادي في 20 مارس بوضع حجر الأساس لعدد 12 مشروع على شكل جسور وأنفاق في صنعاء لتخفيف الازدحام المروري
بتكلفة 40 مليار ريال ، فصنعاء تأخذ نصيب
الأسد من كل شيء ، لكن الغريب في الأمر أن يقوم الرئيس هادي في 28 فبراير الماضي - كنوع من مراضاة الجنوبيين للالتحاق بالحوار -
بإعادة تدشين العمل في المشروع الوحيد
الذي خُصَّت به عدن خلال الفترة المشار إليها .. مشروع توسعة الطريق البحري
الذي كنا قد رأينا "بدء العمل به" قبل أكثر من 8 سنوات دون أي تقدم
.
فلو صرفنا النظر عن سبب حرمان عدن خاصة والجنوب عامة من المشاريع التنموية على مدى 21 عاما ، تعتبر
الطريق البحري بما يقابلها من كثافة
مشاريع في صنعاء ، نموذجا واضحاً للتعسف السلطوي خلال هذه الفترة . ولقد صبرنا
كثيرا على هذه الطريق التي تعرف بـ" طريق
الموت " لكثرة الحوادث المرورية الناتجة عن كثافة المركبات التي تمر
فيها في الاتجاهين .. طريق تربط مدينتي
خور مكسر والمنصورة .
ومن الأمور الكارثية في هذه الطريق أنه يصعب إسعاف ضحايا الحوادث فيها في الوقت المناسب بسبب كثافة المركبات التي تغلق
الطريق تلقائيا بعد الحادث مباشرة . وبعض من السيارات المتزاحمة تنحرف عن الطريق لتستقر في البحر ؛ حيث يبلغ طول
هذه الطريق نحو 7 كم وعرض خطين فقط للاتجاهين
.. ومع ذلك تعتبر طريق رئيسية تربط 5
مديريات من محافظة عدن ببقية المحافظات وعلى جانبيها تمتد شبكة المياه والكهرباء مع
أعمدة إضاءة منطفئة ليلاً ومضيئة نهاراً .
وفي سياق الحديث عن الانتهاكات ، تشمل مشكلة الكهرباء عدة انتهاكات لحقوق
الإنسان الجنوبي في وقت واحد ، فبانقطاعها المتكرر عن عدن المتميز بارتفاع حرارة الجو بشكل
دائم يحرم المواطن من العمل في كل مجالاته ، ومن الدراسة والعلاج والأمان ،
ومن الهدوء في السكن . كما أن انقطاع
الكهرباء لا يؤدي فقط إلى إنهاك مادي للمواطن جراء تلف الأجهزة الكهربائية ، وتلف الأغذية
والأدوية ، بل أن الكارثة هي في الضحايا البشرية بين أولئك الذين يعانون من
الأمراض الخطيرة والمزمنة في منازلهم ، وكذلك الذين تلزم لهم عناية خاصة في
المستشفيات الحكومية لتوقف العمل فيها .
وأخيرا ، ألم يكن التناقض في تصريحاتهم عن تقدير تكلفة تنفيذ مشروع توسعة
الطريق البحري بـ 29 مليون حيناً وبـ35
مليون دولار حيناً آخر ، إلا دليلاً على عدم وجود دراسة حديثة
أو أي نية صادقة ، وأنه كمشروع وحيد
في عدن سوف يهمل مثلما أُهمِل الشعب الجنوبي بالكامل ، عدا الاهتمام بدعوة البعض للحضور في الحوار الشامل ؟! .. أليست الأولوية للطاقة الكهربائية قبل الجسور والأنفاق ، أم أن السلطة تعتقد أن شعب الجنوب في عدن سيتحمل
المزيد من الظلام واللهيب المبين ، في حين تذهب 8 مليار من أموال المانحين إلى
مشاريع في صنعاء وإلى جيوب حكام صنعاء
والنافذين ؟!
د. عبيد البري