كما
هو معروف أننا أصبحنا اليوم في حالة دفاع
عن التاريخ الجنوبي
والهوية الجنوبية التي حاول الإخوة طمسهما منذ 1994م ، وذلك بعد أن كان الكثير من
الجنوبيين يفضلون قراءة بعض الكتب لتاريخ
بلاد اليمن ، وليست لـ"دولة اليمن" التي ظهرت نواتها في ما عُرف بـ"ولاية
اليمن" وفقاً لاتفاقية دعّان عام 1911م بين الإمام يحي والدولة
العثمانية ، التي بموجبها تم انتخاب الإمام حاكماً لمذهب الزيدية في جزء محدود من
ما عرف لاحقاً بـ"المملكة المتـوكلية اليمنية" ، ثم
الجمهورية العربية اليمنية ... كتب خلطت تاريخ أبناء عدنان مع تاربخ أبناء قحطان ،
وقبائل همدان (حاشد + بكيل) مع قبائل الجنوب العربي التي شكل كل منها في الجنوب
كياناً مستقلاً بذاته في تاريخها الحديث كـ(سلطنة ، أو إمارة ، أو مشيخة) ،
وتجاهلت – تلك الكتب - الصراع التاريخي على النفوذ بين المذهب الزيدي والمذهب الشافعي بخلفـياتهما القبلية
والتاريخية . ولكن، ترى هل اتخذت شخصيات من قبائل بكيل ، عدن ملاذاً لها ؟!.
جاء
في مذكرات الشيخ سنان ابو لحوم [اليمن حقائق ووثائق عشتها] - الجزء الثالث 1974-1990م (ص266–275) : "حين توتر الموقف بين
الشطرين على أثر حادثة اغتيال رئيس الجمهورية العربية اليمنية احمد الغشمي في 1987 م .. في هذا الجو المشحون
بالحماس ضد نظام عدن ، استـدعانا الرئيس علي عبد الله صالح للاجتماع معه بعد ظهر
يوم 22 فبراير 1979 م ، ذهبنا الشيخ احمد عبد الله المطري وأنا إلى بيت الرئيس"
... وفي هذا السياق عدّد الشيخ سنان أسماء قيادات الدولة الذين كانوا في الاجتماع
، من بينهم عبد الله الأصنج ، ومحمد سالم باسندوه ، بالإضافة إلى السفير السعودي
والملحق العسكري السعودي .. وأشار :
"وجدناهم
يناقشون الوضع والمخاطر الآتية من الجنوب ، وكان رأيهم بالإجماع إشعال حرب ضد
الجنوب ، وقد اعترضت بشدة على هذا الرأي مبدياً مخاوفي من العواقب ، لأن الجيش في
غاية الضعف بعد سلسلة من الإقصاءات . قلت للرئيس : يلزمك على الأقل 5 سنوات
للإعداد والتحضير ، وإمكانيات مادية كبيرة لتأهيل الجيش وإعادة بنائه ، وإذا كان
هناك حماس من قبل السعودية للحرب ورغبة في دعمها ، فعليها أولاً أن تدفع مبلغاً
كبيراً (10 مليار) لتغطية تكاليف تأهيل الجيش وبنائه ثم بعد ذلك نتحدث عن الحرب"
.
وبينما
كان الجنوبيين يتوقعون ضغطا جنوبياً قوياً من جانب الوفد الجنوبي برئاسة رئيس
الجنوب عبد الفتاح اسماعيل على نظام صنعاء للامتناع عن اشعال حرب أخرى على الجنوب
، جاء "بيان الكويت" مدوياً ، حيث احتوى على 5 نقاط لمشروع وحدة اندماجية بين نقيضين متخاصمين ! ،
ألتزم فيها الطرفان على إنجاز مشروع دستور الوحدة خلال 4 أشهر ، ثم تشكيل لجنه
وزارية للاستفتاء عليه وانتخاب سلطة تشريعية موحدة للدولة الجديدة في مدة أقصاها
ستة أشهر .
وقد
كشف الشيخ أبو لحوم عن سر اختياره ، وأهمية وجوده ضمن الوفد الذي ترأسه علي عبد
الله صالح لما يمثله من ثـقل قبلي وسياسي في قبائل بكيل كبرى قبائل اليمن ، حيث
أشار : " أخبرني الرئيس باختياره لأكون الرجل الثاني في الوفد الذي
سيرافقه إلى القمة اليمنية في الكويت .. بعد الانتهاء من إحدى الجلسات ، التقيت
بالأخ عبد الفــتاح اسماعيل وقال : (نريد نجتمع معك) ، لبـيت دعوته والتقيت به ،
ودار بيننا حديث ودي لا يعد والمجاملات .
قال لي : (أنا من أشراف الجوف ، ومن قبيلة بكيل) ".
وتابع
الشيخ أبو لحوم الحديث عن جلسات القمة ، وهو أكثر من يعلم أن قيادة الحزب الاشتراكي
كانت واهمة عن وجود تأثير قوي للحزب بين قبائل بكيل ، لكنه أشار : "وقد
كان لأمير الكويت فضلاً كبيراً في اقناع الإخوة في الجنوب بأشياء إيجابية كثيرة
بالنسبة للشمال ، فما كان من الوفد الجنوبي إلا أن بادر بوضع مقترحات أدت إلى
التقارب ، ومن ذلك ما قاله عبد الفتاح لعلي عبد الله صالح : (المهم أن نتوحد ،
ولتكن صنعاء عاصمة دولة الوحدة وأنت رئيسها) .. قدم وفد الجنوب تنازلات لصالح
الشمال ، لكنهم بالمقابل استطاعوا أن يأخذوا أكثر من ذلك ، بحيث كانت المداولات
تخدم وجهة نظرهم ، في حين كان الرئيس علي عبد الله صالح غير مقتنع بما حصل".
وهنا
لا بد من التأكيد مجدداً أن الشعب الجنوبي كان ولا يزال يفخر بالتطور الاجتماعي
الذي أحدثته الثورة ، حيث ذابت كل قبائل الجنوب وألقت أسلحتها طواعية لتشكل بذلك دولة
ذات صفه عصريه في خلال فترة قياسية ، وعلى الأخص منذ قيام الدولة إلى أن غادر عبد
الفتاح اسماعيل السلطة بسبب اندفاعه وتسرعه نحو وحدة اندماجية مع قبائل همدان .
وقد تجاوزت قبائل الجنوب تلك الوحدة التي كانت ستـصبح بعدها ، بالنتـيجة ، كل
مكونات قبيلة "الدولة الجنوبية" موزعة بين حاشد وبكيل ، وربما كان الغرض
تقوية قبيلة بكيل المعارضة للسلطة في صنعاء باعتبار أن فرع الحزب الاشتراكي في
"الشمال" مكون من قبائل بكيل ، وقائده هو زعيم الحزب الاشتراكي ورئيس
دولة الجنوب العصرية ، رجل من أشراف الجوف البكيلية ! .
بقي
أن نشير أن من أدخلوا كتب التاريخ السياسي التي امتلأت بها مكتبات دولة الجنوب
السابقة ، وشوهوا التاريخ في مناهج الدراسة في مدارس وجامعات الجنوب بغرض
"يمننة" تاريخ الجنوب قد فشلوا ، لأن التاريخ يتناول الأحداث السياسية
للشعوب والأمم وليس العكس . وسيسجل التاريخ أن شعب الجنوب المواكب لحضارة العصر ،
قد احتفظ بتاريخه كأساس لبناء دولة جنوبية جديدة وحديثة تستطيع أن تلحق بركب
التطور والتقدم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي العالمي .
بقلم : الدكتور عبيد البري
عدن 4 مايو 2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق