الجمعة، 27 أبريل 2012

"جنوب اليمن " .. ودول الخليج العربية

"جنوب اليمن " .. ودول الخليج العربية

يعرف الأخوة في دول الخليج العربية  كما يعرف إخوانهم في جنوب الجزيرة العربية عن الروابط الأخوية  التاريخية بين كل شعوب تلك المنطقة على كثير من الأصعدة ، أهمها الثقافية والاقتصادية والجغرافية ، مهما فــرّق المستعمرون والطامعون بين تلك الشعوب  المتجانسة تاريخياً وثقافياً  .. فالمسطح المائي الممتد  من الخليج العربي وبحر عمان مروراً ببحر العرب إلى خليج عدن هو القاسم المشترك لدول الخليج العربية والجنوب العربي على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمن القومي.. وهذا ما نفـهمه نحن سكان المدن والبلدات الواقعة على البحر العربي ، التي تسمى حاليا بالخطأ ! بأنها (جنوب اليمن/أو اليمن الجنوبي) ، لأنها  تقع جغرافياً شرق اليمن وليست جنوبه  ، ولا يوجد في التاريخ ما يؤكد أنها "  اليمن الجنوبي " ، وعلى الأخص مع عدم وجود تسمية تاريخية لما يقابله (افتراضياً)  بـاسم  " اليمن الشمالي " ! ،  في حين يشهد التاريخ بأنها  جزء من تاريخ وجغرافية المناطق العربية الواقعة على بحر العرب في جنوب شبه الجزيرة العربية .

وليس غائباً عن أحد أن دويلات الجنوب العربي - التي سميت فيما بعد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بدوافع قومية -  كانت عبارة عن سلطنات ومشيخات وإمارات مثلها - في فترات سابقة - مثل تلك البلدان الواقعة على الخليج العربي وبحر العرب ، لكنها كانت تشكل بمجموعها  في ظل الحكم البريطاني لعدن ، ما كان يعرف بـ " محمية عدن " ثم سميت فيما بعد " محمية  الجنوب العربي " ، وضمن تلك المحمية تم  إنشاء " الإتحاد الفيدرالي للجنوب العربي " بتصرف استعماري بريطاني في العقد الأخير قبل رحيله ، لتبقى المحميات الشرقية ( المعروفة حالياً حضرموت والمهرة ) والمحميات الغربية ( المعروفة حالياً يافع العليا ) خارج حكومة الإتحاد رافضة للاحتلال .. وكان الجنوب العربي آخر بلد عربية تستقل عن الاستعمار البريطاني بعد أن تحددت الخارطة السياسية للعالم العربي  وفقاً  لواقع الاحتلال والانتداب البريطاني والفرنسي على الأراضي العربية آنذاك ، بما فيها حدود المملكة المتوكلية اليمنية .

وفي السنوات القليلة الماضية ، سعت الحكومة اليمنية بعد ضم الجنوب إليها ، إلى التقرب من دول مجموعة التعاون الخليجي لأهداف اقتصادية واضحة ، بالاستفادة من جغرافية وتاريخ الجنوب بالنسبة لدول الخليج ، بالإضافة إلى أسباب أخرى  رفعت من أجلها شعار " الوحدة أو الموت ". ولكن على نقيض العلاقات الأخوية بين دول الخليج العربية وشعب الجنوب ، وخلفيتها التاريخية والاجتماعية ، والتجاذب والتقارب بين شعوب المنطقة ، يعتقد اليمن إن إخضاعه للجنوب سيضع دول الخليج أمام أمر واقع ، فإما قبول الكل أو حرمان الكل من ذلك التقارب التاريخي بين دول الخليج العربي والجنوب العربي  .

لقد كان دعم دول الخليج العربية الأخوي لدولة الجنوب السابقة سخياً  لولا التدخلات السياسية الدولية والمؤامرات الداخلية التي أدت بالجنوب إلى ما هو عليه في واقع الحال .. وكان موقف مجلس التعاون لدول الخليج العربية  من الحرب على الجنوب واضحاً في البيان الصحفي الصادر عن الدورة (51) للمجلس الوزاري لدول الخليج  في 5-4 يونيو 1994 حيث أشار : " وانطلاقا من حقيقة أن الوحدة طلب لأبناء الأمة العربية فقد رحب المجلس بالوحدة اليمنية عند قيامها بتراضي الدولتين المستقلتين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مايو 1990، وبالتالي فإن بقاءها لا يمكن أن يستمر إلا بتراضي الطرفين، وأمام الواقع المتمثل بأن أحد الطرفين قد أعلن عودته إلى وضعه السابق وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية فإنه لا يمكن للطرفين التعامل في هذا الإطار إلا بالطرق والوسائل السلمية " .                 

إن ما حصل للجنوب في حرب عام 94م ، لا يختلف عن ما حصل لدولة الكويت  عام 90م بالرغم  من الإعلان المزيف عن الوحدة بين الطرفين الدوليين .. حيث كـُشفت النوايا   بمجرد جلوس الطرف الجنوبي على مكاتب السلطة في صنعاء . فكما غزا صدام الكويت ليعلنها " المحافظة 19 "، غزا نظام صنعاء الجنوب ليعلن النتيجة المباشرة للحرب " عودة الفرع إلى الأصل " .. وتلك إستراتيجية متبعة منذ انقلاب ثوار الإخوان المسلمين على الأمام ، الذين وضعوا نصب أعينهم ثروات الخليج العربي منذ بدايات حركتهم في اليمن .. ولم يكن طلب اليمن للانضمام إلى مجلس التعاون إلا لتحقيق ذلك الهدف .. فربما  أرادوا  بطلبهم ذلك  أن يكون أشبه بطريقة الوحدة  مع الجنوب التي اعتبرتها صنعاء خطوة  باتجاه الخليج .

ويبقى  أن نذكــّر أيضاً ، بأن السكوت عن العبث بأمن واستقرار الجنوب لا بد  أن يكون  له  تأثيرات سيئة على أمن واستقرار دول الخليج  في المستقبل القريب ، لا سمح الله . ولا يوجد شك أن جميع  قادة تلك الدول الشقيقة  يدركون  ذلك الخطر بقدر إدراكهم  لأهمية  الجنوب العربي بالنسبة  لدول الخليج العربية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق