جرى العرف
أن يتم إنهاء الحرب بين طرفين متصارعين حول قضية معينة بالتوقيع على اتفاقية أو
معاهدة بينهما ،بوجود طرف ثالث أو برفع الراية البيضاء ، وغالباً ما يعبر
الاتفاق عن استسلام طرف ليفرض من خلاله الطرف المنتصر على الطرف المهزوم شروطه كما
يشاء . وفي هذه الحالة فما على الطرف المهزوم إلا الإذعان والتنفيذ مقابل سلم
مشروط لتحقيق ما تبقى من إستراتيجية الحرب التي توقفت
.
هذا هو -
بالضبط - ما حصل في 21 سبتمبر الماضي ، بالتوقيع
على ما سمي "اتفاق السلم والشراكة" بين جماعة
الحوثي كطرف منتصر من جهة ، ودولة اليمن بكل مكوناتها السياسية كطرف مهزوم
من جهة أخرى ، بوجود مستشار الأمين العام للأمم المتحدة الذي يلعب دور
الوسيط الدولي في الأزمة اليمنية التي أعلنت فيها الجماعة بأنها تقاتل من أجل
الشراكة الكاملة في السلطة التنفيذية للدولة اليمنية ولم تشر تلك الجماعة قط إلى
أي شكل من الديمقراطية الزائفة التي اعتاد القادة العرب أن يتدثرون بها .
وهكذا أصبحت
تلك الاتفاقية ملزمة لمن تبقى من سلطة الدولة آنذاك ، ومعترف بها إقليمياً ودولياً
... بل لقد انتهت بها سلطة الدولة - فيما بعد - فأصبح مدى الشراكة التي كان يراها
الطرف الحوثي "بلا حدود" ، باعتباره المسيطر على السلطة ، وبالتالي صارت
جماعة الحوثي هي المعنية بتحديد نسبة شراكة الآخرين معها طالما ظلت القوة العسكرية
هي الأساس في اتفاقية الاستسلام المبرمة بين الطرفين ، وطالما الطرف المهزوم لم
يعد موجوداً في الواقع ؛ بالإضافة إلى اعتبار الحركة الحوثية عودة جديدة للنظام
المَلَكي الإمامي السابق بصورة أخرى .
إن ما يهمنا
في ظل هذا الوضع هو التذكير بأن موقف المجتمع الدولي والإقليمي الداعم لمخرجات
مؤتمر الحوار اليمني والمبادرة الخليجية قد تغير إلى موقف داعم لتلك الاتفاقية
المسماة باتفاق السلم والشراكة التي تتناقض كلياً مع كل ما قبلها ، وكانت نتيجتها
المباشرة فقدان ما تبقى من سلطة الدولة اليمنية - التي ضمت إليها دولة الجنوب
العربي (ج ي د ش) بالقوة - فضلاً عن خروج الطرف الحوثي عن نظامها وسلطتها ليحكمها
بفكر جديد ونظام أخر ، وبذلك سيصبح اليمن مثل دول البلقان أو الاتحاد السوفييتي
السابق أو غيرها ، التي انهارت أنظمتها فتفككت مكوناتها الأممية لتستعيد شعوبها
كياناتها السابقة كدول وطنية مستقلة .
وهكذا فإن
شعب دولة الجنوب المستمر بثورته الشعبية السلمية الجنوبية منذ 2007م لاستعادة
استقلال دولته المعروفة إقليمياً ودولياً من تبعيتها غير الشرعية لسلطات صنعاء -
التي أنتهت سيطرتها على صنعاء وبقية مناطق دولتها السابقة فعلياً -
يدرك بأن ارتباطه - بالقوة - بسلطة صنعاء قد انتهى ، ولم يعد أمامه إلا صعوبة موقف
أولئك العناصر القيادية الجنوبية التي تحاول جماعة الحوثي استخدامهم كممثلين عن
الجنوب ، على الرغم من انحسار سلطة الدولة في صنعاء ، وبالتالي تجعل من خضوع أولئك
الجنوبيين مبرراً لإخضاع الجنوب لشروط السلم مقابل الشراكة والثروة الجنوبية .
فهل سيقف
إخواننا الجنوبيين مع حق دولة الجنوب في استعادة استقلالها المعترف به دولياً منذ
30 نوفمبر 1967م جنباً إلى جنب مع نضال الشعب ؟! .. أم سينتظر بعضهم للتفاوض
مع جماعة الحوثي على وحدة جديدة فيدرالية بإقليمين يشاركون فيها جماعة
الحوثي سلطة شكلية مقابل منحها ثروة شعب الجنوب ؟! .. أم سيذهبون مع من ذهب في وهم
جديد اسمه "دولة جنوبية عربية فيدرالية جديدة" ؟!
د. عبيد
البري
29 يناير 2015م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق