الأربعاء، 18 فبراير 2015

تأسيس قيادة جنوبية للحزب الاشتراكي .. خطوة متقدمة ولكن ...


ما جاء في البلاغ الصحفي عن خلاصة اجتماع تأسيسي للهيئة القيادية للحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب ، خلال يومي 14 و 15 فبراير الجاري عبَّر عن موقف وطني للأخوة الجنوبيين في الحزب ، ولكنه كان عليهم أن يعلنون صراحة بأن الحزب الاشتراكي (الجنوبي) لا يزال جديراً باتخاذ قرارات مصيرية واضحة وعاجلة ليعمل بعدها مباشرة على تنسيق المواقف ووضع الرؤى السياسية والنضالية مع مختلف المكونات السياسية في المجتمع الجنوبي للسير قدما نحو استعادة استقلال وسيادة دولة الجنوب ، ومن أهمها :

(1) عودة الحزب مُمَثلاً  بأعضائه الجنوبيين - فقط - إلى وضعه التنظيمي الجنوبي السابق باسم جديد : (الحزب الاشتراكي الجنوبي ، مثلاً) ، ليلغي بذلك كل من امتداده التنظيمي إلى محافظات الشمال وارتباطاته السياسية السابقة  مع الأحزاب اليسارية اليمنية  التي انضمت إلى التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية في عام 1978م  ، ثم عاد بعضها إلى وضعه السابق بعد حرب الشمال على الجنوب والبعض الآخر دفع بالحزب الاشتراكي إلى الالتقاء مع حزب الإصلاح وغيره في ما سمي بأحزاب اللقاء المشترك التي لم يكن يجمعها بالحزب الاشتراكي  سوى السباق على السلطة في صنعاء .

(2) التراجع الكامل للحزب عن أي اتفاقات سابقة له بخصوص مشروع الوحدة اليمنية باعتباره أحد الطرفين الموقعين على إعلان الوحدة بين نظامين متناقضين في 22 مايو 1990م . وأن تراجعه ليس فقط نتيجة فشل الطرفين على تحقيق الوحدة سلمياً ، ولا نتيجة فشل الطرف الشمالي في تحقيق الوحدة بالحرب على دولة الجنوب  عام 1994م لإلغائها نهائياً ، أو باستبدال دستور دولة الوحدة كلياً كأساس متفق عليه بين الدولتين ، بل أن تراجعه هو أيضاً  نتيجة لاستبدال أهداف الوحدة من أجل الشعبين إلى ممارسات ضدهما ، فضلاً عن غياب الأفق الاستراتيجي لأي شكل من أشكال الوحدة وأهدافها على الصعيدين الإقليمي اليمني والقومي العربي .

(3) توجه الحزب - مع بقية قوى الثورة - نحو إعادة بناء الدولة الجنوبية  المستقلة - بنظام جديد يختاره الشعب الجنوبي – لاسيما بعد انهيار الدولة اليمنية سياسياً واقتصادياً وأمنياً ، وغياب أي صفة شرعية لمؤسساتها في ظل تسلط  جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية وأغلب المحافظات الشمالية وظهور مؤشرات على نيتها في التوجه نحو محافظات الدولة الجنوبية ؛ وبعد أن قررت الكثير من الدول فرض العزلة السياسية عليها من خلال توالي سحب البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية ، وخطر ارتهان مستقبل اليمن بالقرار الخارجي ، وما يرافق ذلك من تهديدات بقطع المساعدات الاقتصادية الخارجية لليمن ، الأمر الذي يجعل شعب دولة الجنوب يقع ضحية أزمة سياسية واقتصادية يمنية (شمالية) جديدة بأبعادها الإقليمية والدولية دون أن يكون شعب الجنوب طرفاً فيها ، ولا يجوز بأي حال الانتظار  لنتائجها وما يترتب عليها من ردة فعل للشعب الجنوبي تجاه الأحزاب والقوى السياسية المتخاذلة .

إن هذه القرارات  المنتظرة من الحزب الاشتراكي ، وغيرها  ، ليست كافية لإعادة ثقة الشعب الجنوبي بأن الحزب الاشتراكي قد تخلى فكرياً وسياسياً عن التجربة السابقة التي جعلته يرتبط - ويربط معه الشعب الجنوبي ومصيره - بركب التخلف الاجتماعي والسياسي في الشمال تبعاً لأهواء حزبية ومصالح سياسية ضيقة لأفراد أو جماعات سواءً كانت في الشمال أو الجنوب خلال الفترة الممتدة من 1978م إلى 21 سبتمبر 2014م ... وعلى الحزب الاشتراكي الجنوبي أن يعيد تقييم هذه الفترة بمراحلها - قبل وبعد الوحدة - ويعترف بمسؤوليته كحزب عن الإخفاقات في سياساته وعن نتائجها الحالية - من وجهة نظر جنوبية خالصة - على الرغم من أن القيادات الحزبية الحالية لا تتحمل بالضرورة أخطاء القيادات التاريخية للحزب الاشتراكي .

د. عبيد البري


الخميس، 5 فبراير 2015

اتفاق السلم "مقابل" الشراكة .. خروج فعلي لدولة الجنوب

جرى العرف أن يتم إنهاء الحرب بين طرفين متصارعين حول قضية معينة بالتوقيع على اتفاقية أو معاهدة  بينهما ،بوجود طرف ثالث أو برفع الراية البيضاء ، وغالباً ما يعبر الاتفاق عن استسلام طرف ليفرض من خلاله الطرف المنتصر على الطرف المهزوم شروطه كما يشاء . وفي هذه الحالة فما على الطرف المهزوم إلا الإذعان والتنفيذ مقابل سلم مشروط لتحقيق ما تبقى من إستراتيجية الحرب التي توقفت . 
هذا هو - بالضبط - ما حصل في 21 سبتمبر الماضي ، بالتوقيع على ما سمي "اتفاق السلم والشراكةبين جماعة الحوثي كطرف منتصر من جهة ، ودولة اليمن بكل مكوناتها السياسية كطرف مهزوم  من جهة أخرى ، بوجود مستشار الأمين العام للأمم المتحدة الذي يلعب دور الوسيط الدولي في الأزمة اليمنية التي أعلنت فيها الجماعة بأنها تقاتل من أجل الشراكة الكاملة في السلطة التنفيذية للدولة اليمنية ولم تشر تلك الجماعة قط إلى أي شكل من الديمقراطية الزائفة التي اعتاد القادة العرب أن يتدثرون بها . 
وهكذا أصبحت تلك الاتفاقية ملزمة لمن تبقى من سلطة الدولة آنذاك ، ومعترف بها إقليمياً ودولياً ... بل لقد انتهت بها سلطة الدولة - فيما بعد - فأصبح مدى الشراكة التي كان يراها الطرف الحوثي "بلا حدود" ، باعتباره المسيطر على السلطة ، وبالتالي صارت جماعة الحوثي هي المعنية بتحديد نسبة شراكة الآخرين معها طالما ظلت القوة العسكرية هي الأساس في اتفاقية الاستسلام المبرمة بين الطرفين ، وطالما الطرف المهزوم لم يعد موجوداً في الواقع ؛ بالإضافة إلى اعتبار الحركة الحوثية عودة جديدة للنظام المَلَكي الإمامي السابق بصورة أخرى  .
إن ما يهمنا في ظل هذا الوضع هو التذكير بأن موقف المجتمع الدولي والإقليمي الداعم لمخرجات مؤتمر الحوار اليمني والمبادرة الخليجية قد تغير إلى موقف داعم لتلك الاتفاقية المسماة باتفاق السلم والشراكة التي تتناقض كلياً مع كل ما قبلها ، وكانت نتيجتها المباشرة فقدان ما تبقى من سلطة الدولة اليمنية - التي ضمت إليها دولة الجنوب العربي (ج ي د ش) بالقوة - فضلاً عن خروج الطرف الحوثي عن نظامها وسلطتها ليحكمها بفكر جديد ونظام أخر ، وبذلك سيصبح اليمن مثل دول البلقان أو الاتحاد السوفييتي السابق أو غيرها ، التي انهارت أنظمتها فتفككت مكوناتها الأممية لتستعيد شعوبها كياناتها السابقة كدول وطنية مستقلة . 
وهكذا فإن شعب دولة الجنوب المستمر بثورته الشعبية السلمية الجنوبية منذ 2007م لاستعادة استقلال دولته المعروفة إقليمياً ودولياً من تبعيتها غير الشرعية لسلطات صنعاء - التي أنتهت  سيطرتها على صنعاء وبقية مناطق دولتها السابقة  فعلياً - يدرك بأن ارتباطه - بالقوة - بسلطة صنعاء قد انتهى ، ولم يعد أمامه إلا صعوبة موقف أولئك العناصر القيادية الجنوبية التي تحاول جماعة الحوثي استخدامهم كممثلين عن الجنوب ، على الرغم من انحسار سلطة الدولة في صنعاء ، وبالتالي تجعل من خضوع أولئك الجنوبيين مبرراً لإخضاع الجنوب لشروط السلم مقابل الشراكة والثروة الجنوبية . 
فهل سيقف إخواننا الجنوبيين مع حق دولة الجنوب في استعادة استقلالها المعترف به دولياً منذ 30 نوفمبر 1967م جنباً إلى جنب مع نضال الشعب ؟! .. أم  سينتظر بعضهم للتفاوض مع جماعة الحوثي على وحدة  جديدة فيدرالية بإقليمين يشاركون فيها جماعة الحوثي سلطة شكلية مقابل منحها ثروة شعب الجنوب ؟! .. أم سيذهبون مع من ذهب في وهم جديد اسمه "دولة جنوبية عربية فيدرالية جديدة" ؟!

د. عبيد البري
29 يناير 2015م