الأحد، 24 فبراير 2013

بين الغبـــاء اليمني .. والـــوعي الخليجي

        بين الغبـــاء اليمني .. والـــوعي الخليجي


كل ما نتمناه في هذه الظروف العصيبة أن يوجد تناغماً وانسجاماً فكرياً وثقافياً متوازياً بين الشعبين فـي ما يسمى "شمال اليمن وجنوبه" ، وفــقاً للتغيرات الثورية على مختلف أوجه الحياة العصرية التي تحرر فيها الإنسان من كل أنواع التبعية . فـالشعب الجنوبي يفـخر اليوم بثـقافته قائلا : "نحن أصحاب القرار" .. وكان على الشعب في الشمال أن يتحرر هو الآخر في قراره ليسعى نحو بناء وطن السيادة والكرامة ، لا وطن تُـرسم له السياسة من الخارج أو يَنتظر معونات الدول المانحة لـ "الدول الفاشلة" . ولا يُعقل أن تكون مرجعيته السياسية هي المبادرة الخليجية الملعوب بها من قبل القوى السياسية  ، وأن تبقى خزينة عصابة الدولة تنتظر معونات مالية خارجية مشروطة .

وبالرغم من أن المبادرة الخليجية المزمَّنة قد جاءت لتضع حلاً لأزمة سياسية  في مرحلتها الحرجة ، فإن القوى السياسية النافذة لم تعطي الشعب في الشمال أي فرصة للتفكير في ما ورد من معان  في نصوصها الأساسية .. وللتوضيح ، يمكننا تلخيص كل ما جاء في المبادرة  كالآتي :
[حل الأزمة اليمنية من خلال تشكيل الحكومة  " مناصفة " بقيادة المعارضة و منح الحصانة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح - ومن كان معه خلال فترة حكمه - بعد استقالته وتسليم الرئاسة لنائبه ، وأن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره . وأن يتم بعد ذلك إعداد دستور جديد ثم انتخابات برلمانية وحكومة جديدة ].

وفي تقديري أن القاسم المشترك الوحيد الذي  في الفقرة الثانية جعل القوى المهيمنة في نظام صنعاء تقبل بالمبادرة  هي العبارة التي وردت في فقرتها الثانية  وهي : " أن يؤدي الحل إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره " ، ولكنه ليس صعباً على أطراف الصراع  الفهم بأن الوحدة المقصودة  في النص هي وحدة اليمن المقسم على شكل "دول قبلية"  داخل الدولة اليمنية .. دول  واجهت بعضها الدولة المركزية في حروب تدخّل فيها وسطاء دوليين مثل دولة قطر في حروب  صعده ، وتدخل مجلس التعاون وغيره في حرب الحصبة التي حولت الثورة اليمنية إلى مجرد أزمة .

فالمبادرة الخليجية  لم تشر  من قريب أو  بعيد إلى قضية الجنوب لأن الأشقاء الخليجيين يدركون تماماً بأن الوحدة بين الشمال والجنوب ليست موجودة في الواقع ليتم "الحفاظ عليها" كما ورد في النص ، بل أن قضية الجنوب أكبر وأبعد وأعقد من مشروع مبادرة جاءت وفــقاً لطلب أحد أطراف الصراع  بنصها المعروف . ولا يوجد شك في أن دول مجلس التعاون تعي خطورة قضية الجنوب ، وتعي كذلك مسؤوليتها ودورها الدولي لحلها  باعتبارها قضية احتلال دولة لدولة مجاورة .

ولذلك  كان لا بد أن تـتـفــق الأطراف الشمالية على الحيلة من خلال وضع آلية تنفيذية  بمعرفة مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ، ليشار فيها إلى "حوار وطني ، وحراك جنوبي" كورقتين تلعب بهما القوى السياسية القبلية النافذة  للاستفادة منهما في إطالة عمر الأزمة الحالية ، لأن الشعب اليمني لم يعهد الحوار على مدى تاريخه المؤسَّس على الصراع القبلي المذهبي ، ولأن إدخال الحراك الجنوبي في الحوار ليس إلا "لقمة مسمومة" بالنسبة لشعب الشمال المغلوب على أمره في ظل الأزمة الحالية التي لن تنتهي إلا باستقلال الجنوب .

وخلاصة القول ، هل يستطيع البعض من شعب الشمال التخلص من الغبـاء المفــروض عليهم بواسطة مرجعياتهم القبلية فــيدركون بأن لهم حقوق  وعليهم  واجبـات وطنية بمثــل  مـا  يسعى إليها الشعب الجنوبي ؟! .

د. عبيد البري

العقاب القاسي للجنوبيين في الذكرى الأولى لتوحيد موقفهم !!


                العقاب القاسي للجنوبيين في الذكرى الأولى لتوحيد موقفهم !!

في مثل هذا اليوم 21 فبراير توحدت إرادة الشعب الجنوبي في عموم محافظات الجنوب بخروجها اللافت إلى الشارع  لترفض بذلك أن يكون شعب الجنوب جزءاً من شعب الجمهورية اليمنية التي خرج فيها الشعب في شمال اليمن لممارسة عملية صورية لانتخاب رئيساً معيناً سلفاً .. رئيساً ، وليس مرشحاً للرئاسة .. رئيساً في صندوق اقتراع بدون منافس .. ولا خيار غيره  لشعب اليمن بعد توقيع أركان الدولة في صنعاء على المبادرة الخليجية  .. رئيساً يتناول الشؤون السياسية لقبائل اليمن وليس رئيساً على اليمن .

وبعد أن قدم شباب الجنوب العشرات من الشهداء والجرحى ، استطاع الشعب  الجنوبي إفشال عملية  الانتخابات الصورية ، حيث اعتبرها استفتاءاً  لموقف الشعب الجنوبي أمام العالم من نظام صنعاء وليس عن موقف الشعب من شخص الرئيس عبد ربه منصور هادي . ولم يكن شعب الجنوب يتوقع أن تبقى القلوب في صنعاء مشحونة عليه بالغل والحقد  في انتظار أن يأتي يوم 21 فبراير الذكرى ، لتفريق نيران الغل والحقد من فوهات البنادق الرشاشة وأسلحة المدرعات وغيرها من أدوات القتل ضد الشعب الجنوبي الأعزل الذي يعرِّف العالم عن حقه في استعادة وطنه بطرق سلمية وحضارية .

وفي يومنا  هذا ، الذي سقط فيه العشرات من الشهداء والجرحى ، قال الرئيس عبد ربه منصور هادي في حفل اختتام المؤتمر الـ21 لقادة وزارة الداخلية ، أنه "لا يمكن جعل هذا اليوم عيدا أو ذكرى سنوية رغم أنه جرت فيه أول عملية انتقال وتسليم سلمي للسلطة في تاريخ اليمن المعاصر بل وربما في المنطقة بأسرها" . ووجه اتهاما وتهديدا مباشرا للحراك الجنوبي قائلا :
" نقول للذين لم يستوعبوا المتغيرات ولا الواقع الجديد اليوم أن دعواتهم للكفاح المسلح بتحريض من الدولة التي تدعمهم بالمال والإعلام والسلاح لن تنفعهم بل إنها ستؤدي إلى ضياع قضيتهم العادلة التي ستكون أهم محور في جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتحظى بالدعم الإقليمي والدولي " .

فأين هي السلطة الجديدة التي تتحدثون عنها يا فخامة الرئيس ؟! .. وأي عيد يمكنكم الحديث عنه ؟! .. ولماذا ناب عنكم حزب الإصلاح وليس المؤتمر أو غيره للاحتفال الدموي بالذكرى الأولى لفشل الانتخابات في الجنوب ؟! .. ولماذا منَعَت سلطتكم شعب الجنوب  من الاحتفال بمناسبة " يوم الكرامة " في الساحة الرمزية المعروفة لاحتفالات شعب الجنوب في ساحة العروض بخور مكسر ؟! .

وهل كان مناسبا لكم ولأعضاء حكومتكم ومجلس القضاء الأعلى والنائب العام ولقادة وزارة الداخلية إغلاق عليكم قاعة المؤتمر المذكور -  في هذا اليوم بالذات - حتى لا نسمع موقفكم من إراقة  الدماء الجنوبية الطاهرة التي سالت في عدن اليوم بفعل نيران القوات العسكرية التي خرجت لمنعهم من الاحتفال ، ولتأمين  إقامة فعالية زائفة أسموها "مليونية الثورة في عدن" بواسطة وافدون من خارج عدن ، بعد أن انتهت الثورة نهائياً في صنعاء وكل المدن اليمنية ؟!

د. عبيد البري

العصيان المدني وأخلاقياته


                                           العصيان المدني وأخلاقياته

العصيان المدني هو نشاط شعبي متحضر يقوم به المجتمع بكافة قطاعاته المدنية والعسكرية بهدف الحفاظ على القيم الأخلاقية  في مجتمع معين ، أو للتعبير عن الإحساس الجماهيري بأي انتهاك لحقوق الإنسان أو المطالبة بترسيخ الحرية والعدالة ، أو رغبة الشعب في تغيير واقع سياسي يتحكم به نظام دكتاتوري يقيد الشعب من مواكبة أي تطورات على الصعيد العالمي .

والعصيان المدني هو أحد أساليب المقاومة السلمية التي عادةً ما يكون الهدف منها الحفاظ على المجتمع حراً مستقلاً  وآمناً ومتحضرا .. وبه تضغط  الشعوب على أنظمتها التي تفرض سلطاتها على المجتمع من خلال القوانين النافذة .. وقد لا تستطيع الشعوب الضغط بواسطة العصيان المدني على سلطات الأنظمة الهمجية التي لا تحترم آدمية الشعوب . ً

وبالنظر إلى العلاقة بين أي مجتمع والنظام القائم فيه ، نجد  بأن الثابت هو أن لكل مجتمع قِـيَم وأخلاقيات تنبع من ثقافته وتاريخه وديانته التي لا بد من الدفاع عنها  لتستمر كأساس لتطوره وتقدمه الاجتماعي ، بينما المتغير هو الأنظمة التي تتعاقب على حكم المجتمعات ؛ بيد أن المجتمع يبقى على تفاعل مستمر مع أنظمته سلباً أو إيجاباً . وقد تنتج عن تلك الأنظمة قوانين وقرارات تتعارض مع أي من تلك القيم المجتمعية .

يقوم المجتمع بنشاط العصيان المدني عندما يلاحظ  أن هناك جانباً سلبياً في النظام متمثلاً بفساد في السلطة أو بتشريع لا يخدم المجتمع ، بحيث يكون رد فعل "إيجابي" لإجبار النظام على إنهاء أي وضع جائر ، أو حتى لرفض النظام برمته ؛ وبذلك يقاس نجاح العصيان المدني باستجابة النظام للضغط الشعبي بعد حوار منصف بين الطرفين ، ولا يقاس  باستجابة الشعب من خلال المشاركة الشاملة في المقاومة دون نتائج مباشرة .

إذا كنا قد عرفنا بأن العصيان المدني هو حركة المقاومة التي تنشأ نتيجة تفاعل المجتمع مع حكومته حول ظاهرة سلبية معينة أو نظام معين ، لتكون النتيجة هي التزام الحكومات لضغط المجتمع باعتباره هو المسئول عن تكوين حكوماته ، فإن الأمر يختلف تماماً في وطننا الجنوبي ، حيث أنه مجتمع خاضع لنظام آخر بثقافة أخرى  وقيم مختلفة .. ولأن النظام  فـرض سلطة الاحتلال على الشعب الجنوبي بالقوة ، فلا نتوقع منه إلا الاستجابة بالمزيد من القوة كنتيجة مباشرة لغياب التفاعل بين المجتمع والنظام .

وأخيراً ، لا يوجد شك أن من حق الشعب الجنوبي العظيم التعبير عن رفضه واستنكاره للمجازر التي تمارسها سلطة النظام المحتل بأي طرق سلمية  يراها مناسبة .. ويفضل أن يكون  في ظل قيادة الثورة السلمية القائمة وليس بتوجيهات من عناصر أو جهات لا تفرق بين المهام الثورية والمهام الحزبية ؛ أو حتى لا  تستطيع أن توجه الخطاب المناسب للجماهير حول نشاط العصيان المدني وأخلاقياته بحيث يكون فعالاً ومؤثراً في المساحات التي تجبر السلطة على التفاوض مع الشعب على قضية وطنه ، لا أن يكون في المساحات التي تسيء إلى المواطن  أو تنفره من الثوار أنفسهم .

د. عبيد البري  

الاثنين، 11 فبراير 2013

الخطأ في تسمية المحتل لدولة الجنوب !!



عبيد البري
مقالات أخرى للكاتب
الاثنين 11 فبراير 2013 04:38 مساءً



قبل نحو عامين كتبت مقالاً تحت عنوان " تسمية الجمهورية اليمنية في فجر 26 سبتمبر 1962م " ، استوحيته من مقال الشاعر الثائر الأديب المرحوم عبد الله البردوني ، الذي نشرته "مجلة الجيش" اليمنية عام 1972م ، أشار فيه إلى أن نظام الحكم في صنعاء خلال الساعات الأولى من الثورة كان باسم الجمهورية اليمنية ثم تغير إلى الجمهورية العربية اليمنية نتيجة لزحام تنظيمي على التسمية آنذاك من قبل أطراف أعلنت عن نفسها لتقديم تأييدها للثورة . فالتسمية أصبحت "جمهورية" بينما النظام ملكي ، وخاصة ببقاء الملكيين شركاء في الحكم لمدة تزيد عن 4 سنوات بعد الثورة !.. وكذلك لا تزال تسمية عملة الريال "الملكي" متداولة إلى اليوم ، ربما للحفاظ على تلك الرمزية . 

والمعروف أن التنظيمات السياسية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في اليمن تحديداً ، كانت أحزاب ناصرية وبعثية وشيوعية ، بالإضافة إلى الإخوان المسلمين ، وكلها كانت تسعى إلى تحقيق مشروع الوحدة العربية ، وجرت محاولة لتطبيقه في وحدة بين مصر وسوريا عام 1958م ، ثم تبين الفشل الساحق للمشروع القومي بصيغته الاندماجية عام 1961م عندما أعلنت سوريا تراجعها ـ بانقلاب عسكري ـ عن الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ، وإعلانها الجمهورية العربية السورية .

لا يبدو الشبه بين الوحدة اليمنية والوحدة المصرية ـ السورية الاندماجيتين ، إلا في وجهين : (الأول) أن الحزب الاشتراكي في الجنوب كان قد دفع بالشعب الجنوبي إلى الوحدة بطريقة مماثلة لحزب البعث العربي الاشتراكي السوري الذي دفع بالشعب السوري بقوة إلى الوحدة مع مصر .. وبالتالي تعاملت كل من القاهرة وصنعاء مع الشعبين كمن زُفـّـت إليه عروس لا يطيق النظر في لون عينيها !.. و(الثاني) تمسك كل من النظامين في القاهرة وصنعاء بالحفاظ على تسمية دولتي الوحدة بالرغم من فــشل الوحدتين في كل من دمشق وعدن .. فاسم "جمهورية مصر العربية" ظهر بعد وفاة الرئيس عبد الناصر .

إن المهم في اعتقادي أن نظام صنعاء لم يحتل دولة الجنوب فقط ، بل أحتل كذلك مقعدها في المنظمة الدولية .. فـقد ألغى اسم الجمهورية العربية اليمنية وألغى مقعدها في الأمم المتحدة ، فأعاد لها تسميتها الأولى التي سميت بها قبل  التدخل المصري عند قيام الثورة ، وأصبحت عضواً في الأمم المتحدة بإتحادها مع دولة الجنوب لتحتل المقعد الذي كان مخصصاً لدولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . وعندما أعلن قادة الجنوب عودة الدولة إلى وضعها السابق لم يكن إلا إعلان عودة الدولة إلى وضعها الدولي بمقعدها المعروف في المنظمة الدولية .

صحيح أن القيادة الجنوبية قد أعلنت فك ارتباطها مع الدولة الجارة ، باعتبارها دولة قائمة فعلياً – أو حتى شكلياً - ولها الحق في بقاء تسميتها كما فعلت مصر بعد انقلاب الضباط السوريين على الوحدة مع مصر .. ولكن للأسف ، هناك أوجه اختلاف كبيرة غائبة عن العالم ؛ فـقيادة مصر آنذاك ليست كقيادة اليمن عام 1994م ، ولم تكن مواقف الضباط السوريين في القاهرة كمواقف الضباط الجنوبيين في صنعاء ! .. ومع أن قيادة الجنوب قد نزحت عن دولة الجنوب تحت نيران الحرب ولم تعد تطالب بالدولة بحسب المواثيق الدولية ، إلا أن الشعب الجنوبي بقي على أرضه محافظاً على هويته وثقافته وتاريخه بالرغم من عبث الاحتلال الذي طال دولة الجنوب السابقة .

وأخيراً ، فالموضوع هنا ليس لمجرد الحديث عن غياب اسم الجمهورية العربية اليمنية " رسمياً " أثناء غزو الجنوب عام 94م ، بما له من الخلفيات السياسية ، بل يتعدى ذلك إلى مراجعة الجوانب القانونية لكل من قضيتي الوحدة والحرب كأسباب ونتائج .. وهذا الأمر هو من صلب مهام الأساتذة الجنوبيين المختصين بالشأن القانوني لقضية الجنوب .




اقرأ المزيد من عدن الغد | الخطأ في تسمية المحتل لدولة الجنوب !! http://adenalghad.net/news/39223/#ixzz2KcYNpN62

الجمعة، 8 فبراير 2013

رجال دين جنوبيون .. وعن قضيتهم مغيبون !!


    


دار حديث قصير بين أحد أصدقائي  القدامى وبيني ، حول شبابنا الذين ذهبوا إلى العراق بعد الغزو الأمريكي .. فقد وجدت لدى ذلك الصديق تعاطفاً معي في هذا الأمر بالرغم من مرور أكثر من ثمان سنوات على قضية تآمر عصابات صنعاء على صفوة شبابنا عندما قاموا باختيار أفضلهم لإعدادهم وإرسالهم إلى محرقة العراق التي كانت واحدة من طرق التخلص من الشباب الذين توقعـَـت منهم تلك العصابات الوقوف في يوم ما  أمام ظلمها للجنوب .


وها هي سلطة عصابات صنعاء تجد أمامها شباب وأطفال وشيوخ ونساء الجنوب في مواجهة ثورية عارمة لم تكن يوماً تتوقعها .. فلم تجدي أساليبها على مدى نحو عقدين من الزمن في محاولة جعل ما يزيد على مليون جنوبي يضطرون إلى هجرة أرضهم بسبب الظلم وانتهاك حقوقهم في العمل والتعليم والسكن وغيره .. وبالمثل ، لم تؤثر على قوة مقاومة الشعب الجنوبي محاولة صرف أنظار الشباب الجنوبيين عن قضيتهم الوطنية من خلال محاولة فتح المزيد من المعاهد الدينية لجذبهم إليها بعيداً عن التفكير أو المشاركة في رفض الاحتلال .


كنت قد عرفت هذا الرجل "الصديق القديم" في الأيام التي تلت غزو الجنوب بشكل كامل في عام 1994م ، حين  كان له رأيا واضحا بأن الجنوب وقع تحت الاحتلال ويجب عدم السكوت عن ذلك .. وفي الأسبوع الماضي ألتقيته مرة أخرى ؛ وتحرّجت من السؤال ليذكرني باسمه .. لكنني عرفت منه بأنه التحق في السنتين الأخيرة  مع الشباب الذين يتبعون شيخ تــقي اتـخذ من مدينة الفــيوش في محافظة لحج مكان ليلقي عليهم "تعاليم" دينية حيث لا يتطلب الالتحاق أي شروط عدى الاقتناع برجل الدين القائم على المشروع وبعلمه .


سألت الرجل : " وهل كنت قبل عامين تجهل ما يكفيك للعبادة ؟ " .. قال : " أردت الالتحاق من أجل المزيد " .. فسألته : " كم عددكم من يافع " .. قال : " العدد من منطقة يافع وحدها يفوق الألف بكثير " .. قلت : " هل شاركتم في المهرجانات المليونية الجنوبية ؟ " .. قال : " المشاركة في مثل هذه النشاطات ممنوعة  ، لكن البعض يخرجون لها خلسة ! " .. قلت له : " البعض من الشباب قد  يفهمون بعض أمور الدين خطأ ، وربما يميلون إلى ما يسمى (الجهاد) كهدف " .. قال : " لا لا لا .. الشيخ ما له علاقة بالقاعدة ! " .. قلت :

" أعرف ذلك ، وأيضاً لم أتحدث هنا عن القاعدة .. ولكن المطلوب تعريف للجهاد لا يقبل الجدل ؟! " .. قال : " الجهاد حسب تعريف الشيخ هو مقاومة الغزو على أرض المسلمين " .. قلت له : " بصرف النظر عن المقاومة ، هل مفهومكم لـ" الغزو" ينطبق على ما حصل للجنوب ؟ " .


عندئذٍ ، كان الرجل يبدو في عجل من أمره ، فأستأذن للذهاب ، وقال : " سوف أسأل الشيخ عن ذلك  وأرد عليك لاحقاً " .. قلت له : " لا ترد ! ؛ فالسؤال هو لجميع رجال الدين الذين عليهم أن يتقون الله بالاجتهاد في بيان الحق حقاً والباطل باطلاً ، وليس بمجرد "تلقين" قول الله وقول الرسول اللذان يشكلان منهجاً متكاملاً لحياة المسلمين ؛ وبالتالي فإن تطبيقهما على الواقع وقول كلمة الحق هو المحك لرجال الدين في تقوى الله جل جلاله "..
وهذه هي القضية !!.


د. عبيد البري

السبت، 2 فبراير 2013

" فـاشية " الكثــيري .. و" سامية " العبــدلي


" فـاشية " الكثــيري .. و" سامية " العبــدلي

السياسي برس  /   د. عبيد البري


 التاريخ : الاثنين/ 14/1/2013م
بصرف النظر عن الخلفيات السياسية لظهور كل من مصطلحي الفاشية والسامية ، فالمقصود هنا بـ"الفـاشية" هو ذلك الذي ينطبق على  كل مَن يتبنى أو يعبر عن آراء تتناقض مع منظومة قيـَم المجتمع ومؤسساته السياسية والاجتماعية  وأيدلوجيتها التحررية ... أما لفــظ "السامية" فيعود إلى سام بن نوح الذي يدّعي اليهود بأنهم وحدهم ينتسبون إليه ، ويستخدمونه مرادفـاً  لــ " اليهودية" ؛ وتحتمي السامية عموماً بقوانين دولية ، بينما لا يزال العرب يؤكدون أنهم أيضا من نسل سام !.
لقد استبشرنا خيراً بالشرفاء من شيوخ الجنوب الذين التحقوا - بأي شكل - بالثورة الجنوبية على اعتبار أنهم ينتمون إلى سلطنات وإمارات ومشيخات كانت كل منها تمثل عشيرة قبلية تحمل نسبها من اسم الجد الأعلى للعشيرة ، مثل (عشيرة الكثيري أو العبدلي أو العقربي أو اليافعي ...) واشترك أفراد كل عشيرة بالعيش في رقعة جغرافية محددة  لها  في إطار الجنوب العربي .. وعلى هذا الأساس ، توقعنا مع عودة كل الشيوخ إلى وطنهم ، بأن الانتماء إلى الوطن سيتجاوز الانتماء العشائري بالنظر إلى سواد الظلم في الوطن الجنوبي المشترك لعموم عشائر  الجنوب التي عاد  ليمثلها حالياً – بشكل تقليدي – شيوخ  من أبناء الزعماء السابقين لتلك العشائر .
وكما هو معروف ، أن صفة سلطان أو أمير  تمثل تعبيراً عن سلطة فعلية منسوبة إلى فرد معين بذاتــه في منطقة محددة .. ومع ذلك  رأينا البعض من أقارب الزعماء السابقين عادوا  إلى الجنوب  بهذا اللقب . وفي ظل الثورة الجنوبية والإجماع الشعبي على وحدة الوطن الجنوبي ، أنعقد  اجتماع لقيادات جنوبية في الرياض في ديسمبر الماضي دعا  إليه  الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ، وكان في المقدمة ما تم تسميتهم بــ " سلاطين وأمراء الجنوب " .. وهناك دعوة أخرى تم الإعلان عنها مؤخراً من قبل الزياني لعقد مؤتمر (لقادة الجنوب ما قبل عام 1967 وما بعدها بالإضافة إلى قادة الحراك الجنوبي !).
ولعل الشعب الجنوبي كان متفائلاً باجتماع القادة الجنوبيين في الرياض  قبل أن يعلم  عن تقديم " السلطان" عبدالله بن محسن الكثيري في الاجتماع مذكرة  باسم " عصبة القوى الحضرمية "، التي أرفـقها بمشروع ورؤية العصبة لحل " قضية حضرموت " إلى أمين عام مجلس التعاون الخليجي ، الذي وعـد  بدوره  بدراستها ووضعها محل الاعتبار  . فيا ترى ما علاقة ذلك الوعد  بمشروع المبادرة الخليجية "الخاصة بالجنوب" التي ربما تأتي بها دول مجلس التعاون بناءً على طلب من الرئيس البيض ؟! .
وأين كانت هذه "العصبة" من استقلال حضرموت منذ غزو حضرموت عام 1994  أو حتى ما قبلها .. حضرموت التاريخ والثقافة والحضارة والثروة ، لاسيما أن الكثيري وغيره من الشيوخ  والشخصيات الحضرمية  كانوا  قريبين من مفاصل السلطة السعودية والخليجية  منذ ستينيات القرن الماضي ، ولم نسمع لهم أي صوت إلا في هذه الأشهر الأخيرة من الثورة الجنوبية .. وفي الوقت نفسه ، هل يقبــل الشعب في حضرموت بفاشية ما يسمى "عصبة القوى الحضرمية" التي لا يعتبر نشاطها متـناقضاً فقط مع طموحات الشعب بل أن ذلك يعتبر نزعة عنصرية  تجعل  بقية الشعب الجنوبي في منزلة اجتماعية وثقافية أدنى من شعب حضرموت ؟!.
وأخير ، دعونا ننظر في "السامية" من خلال  مساهمة  " الأمير"  محسن بن فضل العبدلي  الذي يتحدث عن العودة إلى عهد الاستعمار والتخلف !.. بل أن العبدلي قد اعتبر بأن السياسة الدولية  لتهجير اليهود  إلى فلسطين في  الأربعينيات  كانت نتيجة لممارسات عنصرية  جنوبية  ، حيث عبـّر في الأسبوع الماضي [ في "السياسي برس" ] عن تصوره ورأيه الشخصي قائلاً : " وفي تصوري ورأيي الشخصي والذي هميت وأهم بتوجيهه هنا إلى إخواننا في الجنوب لأنه أمر جنوبي جنوبي ، فعلينا  لكي نكون أكثر عدلا وإنصافا ، العودة بالتصالح والتسامح إلى عام 1947م حيث الحدث الأكبر وذلك عندما تم تهجير أبناء الجنوب من الطائفة اليهودية الذي تم فيه نزوح آلاف العوائل  والأسر الجنوبية من الطائفة اليهودية ظلما وقسرا  ". وبالرغم من ذلك ، فالأمر ليس دفاعا عن السامية !.

دولة الجنوب .. بين الماضي والمستقبل .. وخطر خلط الأوراق !!


 دولة الجنوب .. بين الماضي والمستقبل .. وخطر خلط الأوراق !!

 التاريخ : الجمعة/18/1/2013م

السياسي برس / د. عبيد البري
دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية - الوريث الثوري الشرعي للجنوب العربي -  مثــلتها الكتــل البـشرية المليونية الجنوبية المتـجانسة الموحدة التي غطت ساحات الحرية والاستقلال على أرضها الجنوبية في مهرجاناتها وتظاهراتها رافعة أعلامها  ورافعة الشعارات الثورية لتحريرها واستقلالها .. تلك الدولة التي غابت بدون سابق إنذار  منذ عام  1990 عن كيان شعب الجنوب وعن مكانتها ودورها في الساحة الدولية .
هذه الكتــل البشرية الموحدة الإرادة ، هي وحدها القادرة بإذن الله تعالى أن تفاجئ العالم بقيادة ثورية من بينها !.. قيادة أمينة على الثورة ومصلحة الوطن ومستقبل الأجيال القادمة .. قيادة نظيفة اليد والفكر ومخلصة لهذا الشعب العظيم لتعمل بجهود وطاقات جديدة وشابة على الاستمرار في الثورة وقيادتها حتى تحقيق الاستقلال الذي قدمت من أجله أغلى التضحيات ، ومن ثم إعادة بناء دولة جنوبية جديدة وحديثة .
إن الشعب الجنوبي يدرك تماماً أن من كان مساهماً بشكل أو بآخر ، بوعي أو بغير وعي  في خراب الوطن الجنوبي ، لن يكون مساهماً في إعادة إصلاحه أو بنائه .. فلم يبـتـكر العالم حتى اليوم  وصفة سحرية يمكن استخدامها لتصحيح " الوعي بالوطنية " ! . وفي الوقت نفسه يدرك الشعب الجنوبي أنه قادر على تجاوز كل الأخطاء السياسية الماضية ، لاسيما  أنها كانت جزءً من أخطاء السياسات الإقليمية والدولية .
لست متأكداً أن رسالة التسامح والتصالح التي وجهها الشعب الجنوبي بقوة كاستفتاء شعبي أخذ شرعيته بالصورة والصوت ، قد أثرت كثيراً على وعي أولئك بالقدر الذي أثرت على العالم من حولنا الذي فهم منها أن الشعب لم يعد مشغولاً بالماضي  ، بل في الخروج من وضع الاحتلال الذي هو الناتج الطبيعي لقرار وحدة غير مدروسة .
ومع ذلك لا يزال القادة السابقين يتحدثون بشكل غير مقبول بعد التسامح والتصالح عن أخطاء في الماضي الجنوبي وعن مجرد خطأ إقامة الحرب ،لكنهم لم يتجرؤون أبدا على الاعتذار أمام العالم عن الخطأ السياسي التاريخي الذي يطالبهم به الشعب الجنوبي بذهابهم إلى وحدة فاشلة دون استفتاءه أو حتى علمه باتفاق الوحدة  !.
وفي تقديري أنه كان ولا يزال من واجب قادة الجنوب السابقين أن يعترفوا بأن الوحدة كانت فاقدة لشرعيتها  نظراً لغياب المشروع الوحدوي الاستراتيجي لمصلحة الشعبين ، وأن يعتذروا عن إهمالهم لعدة سنوات متابعة تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي الصادرين أثناء غزو الجنوب .. فالمجتمع الدولي لا يعترف من الناحية الدبلوماسية بشرعية الوحدة والحرب من عدمها إلا من خلال  طرفيها ، وهذا ما جعل بعض سفراء أوروبا يقتنعون بأن الشعب الجنوبي سعى إلى الوحدة طوعاً عام 1990م .
ألم ينشأ هذا الموقف الدولي إلا لغياب ما يناقضه من قبل القيادة السابقة نفسها التي تستطيع وحدها  أن تبرر خطأ قرارها بالوحدة كنتيجة طبيعية للوضع السياسي السابق في كل من الجنوب والإقليم المجاور ؟!.
وأخيراً ، وجب التنبيه إلى أن معظم التيارات السياسية الجنوبية الدخيلة على الحراك الجنوبي - ويقع على رأسها قادة سابقين - تشير في وثائقها إلى مراجعة الماضي منذ عام 1967 برغم التصالح والتسامح ، بغرض تتويه وإرباك الشعب وحراكه الثوري عن قضية تحرير واستقلال الجنوب كدولة جديدة ذات سيادة تتكفل مستقبلاً بتصحيح كل أخطاء الماضي  من خلال فـتح المجال واسعاً لكل فئات الشعب لممارسة الديمقراطية والحفاظ عليها لتحقيق الحرية والعدالة .

السياسي برس | وهل للشعب الجنوبي قيادة ؟!