ليس
غريباً ولا عيباً أن يتعرض الطبيب لمرض نفسي أو عقلي مثل أي إنسان آخر كنتيجة لأسباب
وعوامل مرتبطة بالمحيط الذي يعيش فيه الإنسان ، بالإضافة إلى دور العامل الوراثي في الإصابة بمثل تلك الأمراض
، ولكن العيب أن يُترك المريض العقلي طليقاً يتصرف دون إرادته ، بما يلحقه من أذى لنفسه
وللمجتمع من حوله ، وهذه مسؤولية كل المجتمع ، فضلاً عن الأقارب والمختصين بهذا الشأن
. ولأن الأمر كذلك ، فإن الزعماء يشكلون خطراً
على الشعوب في حالة إصابتهم بأمراض نفسية تنتج عنها تصرفات غير طبيعية ، لا يدركها
المجتمع ، بل قد يتم اعتبارها ميزات زعامة ، مع أن جنون العظمة قد وجدت له البيئة المناسبة
في العالم الثالث .
وحيث
أن العوامل المؤثرة على نفسية أي فرد في المجتمع تبدأ من الأسرة ، ثم من الوضع الاجتماعي
والثقافي للفرد والمجتمع معاً - بما لتأثير
جانبي الاقتصاد والسياسة على المكونات الاجتماعية والثقافية - وعلى
طبيعة حياة الناس سلباً أو إيجاباً ، فإن للأمراض
النفسية والعقلية في العالم العربي خلفيات
اجتماعية ظهرت بشكل واضح في تصرفات بعض الشخصيات
الاجتماعية والسياسية العربية التي أثــّرت سلباً على انطباع العالم عن العرب والإسلام معاً
. فمن أخطر أعراض جنون العظمة وما يصاحبها
من نوبات هوس هي تلك التي تصل بالمريض إلى حد
الإدعاء بالنبوّة ، فيطلب من الناس
الولاء والطاعة ، وقد يقنع الناس بأن الله بعثه لإقامة العدل بين البشر ، وأنه ذو قدرات فريدة يعجز
الآخرين القيام بها ، سواء في السياسة
أو الاكتشافات العلمية أو غير ذلك
.
المشكلة
ليست فقط
في ( الزعيم ) المريض ، بل في المجتمع
المتخلف الذي يُصدّق الإدعاء
بأن هذا زعيماً سياسياً حقيقياً لفترة من الزمن فـيدين
له بالولاء والطاعة
إلى أن يصل به إلى الهاوية ، أو يُصدّق بأن هذا عالماً إسلاميا
( متبحراً ) لأنه أدعى اكتشاف علاج للأمراض
المستعصية مثل الأيدز والسرطان وغيره على أساس آيات من القرآن إلى أن يُثبت العكس ،
أو يُصدّق الإدعاء بأن ذاك زعيماً إسلاميا فذاً بدليل تركه لأموال الدنيا وتكريس ما تبقى من
حياته وماله ضد العدو الافتراضي للإسلام إلى
أن يصل به إلى التطرف وبالتالي الكـُره والعداء العالمي للإسلام ! . وقد دفعت الشعوب العربية والإسلامية ثمناً باهظاً
لتخلفها عن المجتمعات المتحضرة التي سرعان ما
تكتشف مثل تلك الأمراض لتحيلها مباشرة إلى مستشفيات الأمراض العقلية .
إن الحديث
يدور هنا حول المجتمع العربي والإسلامي ، الذي يلعب فيه الرئيس
بشار الأسد دور الزعيم والطبيب في آن واحد ، وهو يعلم تماماً ماذا نعني بهذا ،
ولن نخاطبه إلا طبيباً سوياً بعيداً عن أي من الأمراض النفسية أو العقلية بدليل أنه يعي ما يجري من حوله ، ويسعى
قدر المستطاع إلى اتخاذ إجراءات لتخفيف وطأت الحدث الجماهيري والموقف الدولي ، ولكن
هذا لا يكفي ، لأن ما يعتمل من إبادة وتنكيل
للمواطنين في حمص خاصة وسورية عامة من أعمال القتل اليومي بالمئات في ظل وجوده
على رأس الدولة قد تجاوز
العقل وكل القيم الإنسانية
والإسلامية والأخلاقية ، مثله في ذلك
مثل أولئك من الزعامات العربية
الذين خرجوا عن أطوارهم عندما وجدوا أن الشعب العربي يتعامل
معهم بالولاء والطاعة
لعدة عقود من الزمن ، فتولد لديهم الشعور
- الغير طبيعي - بان الأرض ومن عليها صارت مجرد
ملك من أملاكهم .
إن النخبة
السياسية الحاكمة في سورية ، التي لم تعدّل فقط
البند الدستوري الخاص بعمر المرشح للرئاسة
ليتناسب مع عمر بشار الأسد ، بل ضلت تحافظ عليه رئيساً غير منتخب شعبياً نحو 12 عاماً ، تكريساً للتوريث
والحفاظ على مصالحها كعصابة ، ضاربة
عرض الحائط بحق الشعب السوري العربي الأصيل في الديمقراطية والحياة
الكريمة ، لا بد أن تتحمل تلك العصابة مسؤولية النزيف المتــزايد للدم العربي
والتدمير المستمر للأرض العربية السورية .. لكن بقاء بشار رئيساً لعصابة
حاكمة منتــقما من الشعب الذي طالب
برحيله ، هي الجريمة البشعة التي يندى لها
الجبــين العربي ، وخاصة إذا ما اعتـبرنا بشار الأسد ليس مريضاً عقلياً ! ، الأمر الذي يتطلب
من المؤسسات الوطنية والدولية أن تتحمل مسؤوليتها للتـأكد
من ذلك .
وقد
وجدت شخصياً ، أنه لزاماً عليّ كطبيب من أبناء الجنوب العربي ، الذي لا يزال يحتله
نظام صنعاء ، أن أدين بشدة ما يجري من عمل إجرامي في الشقيقة سورية من قبل النظام السوري
بشكل عام ، و الطبيب العربي بشار الأسد بشكل خاص
لأنه كطبيب قد أساء
ببشاعة إلى إنسانية الطبيب ومهنة الطب بصفة عامة ، والطبيب العربي بصفة
خاصة .. وأهيب بإتحاد الأطباء العرب للإسراع
بإصدار بيان الإدانة المناسب ، كونه قد أنحرف فعلاً عن القيم الإنسانية للطبيب ، وأدعوهم
للتواصل مع المؤسسات ذات الاختصاص في داخل القطر السوري وخارجه ، للحد من السلوك المشين لهذا الطبيب العربي .
فهل
يُعقل يا دكتور بشار أن والدك ، رحمه الله ، الذي أختار لك أن
تكون طبيباً لتمارس إنسانية الإنسان ، لا حاكماً
ظالماً أو جاهلاً ، فاخترت
لنفسك – أو ربما اختارت
لك عصابة الحكم في سورية
- أن تكون قاتلاً ، لا طبيباً
ولا إنساناً ولا عاقلاً
!؟ .
بقلم : د. عبيد البري
عدن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق