محاولات ما قبل
عام 1990م لضم الجنوب إلى اليمن
من مقال للشاعر الثائر الأديب المرحوم عبد الله البردوني ، نشرته
"مجلة الجيش" اليمنية عام 1972م تحت عنوان : "حين يحكمون وحين لا
يحكمون" ، اقتبست منه للقارئ الكريم الفقرة التالية كشاهد على المحاولات المبكرة لنظام صنعاء لضم الجنوب إلى اليمن
بالاستفادة من التوجهات القومية لمصر عبد الناصر والأحزاب اليسارية العربية التي
كانت تحلم بوحدة عربية ، حيث أشار : " في يوم الـ 26 من سبـتمبر تقدمت أسماء تعلن عن تأييدها للثورة نيابة
عن تنظيماتها وقدمت اقتراحاتها . وقد لوحظ يوم الثورة أن تسمى الحكم ( باسمين )
" الجمهورية اليمنية " من الساعة السادسة حتى الثــامنة ، و"
الجمهورية العـربية اليمنية" من ثامنة يوم الثورة إلى اليوم . وكان وراء هذه
الظاهرة الصغيرة زحام تنظيمي على التسمية بمقدار ما كان الصراع على كيفية المسمى
بعد أربع سنوات من قيام الثورة .. وقد تأخر هذا الصراع على كيفية المسمى بفعل
الحروب التي تكاثرت فيها الأطراف وتزايدت فيها الأهواء ".
وللتذكير فقط ، فقد مثلت عدن ملاذاً آمناً للثوار ضد الحكم الملكي ولكل
من تضرر من تلك التقلبات في سلطة اليمن ، قبل الثورة وبعدها ، وملاذاً للهاربين من
شيوخ قبائلهم ، بالإضافة إلى أنها كانت
مركز جذب للعمالة اليمنية والطلبة ، فزادت معدلات هجرة العمالة
اليمنية إلى عدن ، ومعظمها كانت على شكل عائلات ، فنشأت ظاهرة ( يمننة عدن )
لكثــافة المهاجرين إليها من الحجرية والمناطق الوسطى والبيضاء . وعندما تكونت
الأحزاب السياسية التحررية في عدن ، التي شكلت الحركة العمالية رافداً لها ، كان لــ(
عـدنيين اليمن ) حضورهم في النقابات العمالية ، وبالتالي في الحياة السياسية الجنوبية
بخلفيتها القومية العربية ، وهذا ما أوصلهم إلى قمة الحكم في الجنوب .
لقد أستطاع عبد الفتاح إسماعيل الجوفي أن ينقلب على السلطة التقليدية
في عدن ، في 22 يونيو 1969م ، ليظفر بزعامة التنظيم السياسي للجبهة القومية . وفي
خطابه الافتتاحي لأعمال المؤتمر الخامس للتنظيم الذي أنعقد في مارس 1972م أشار"
: إن نجاح هذه المهمة التاريخية ( يقصد
المؤتمر ) لا يقـتصر على النطاق اليمني ، وإنما سيلعب دوراً أساسيا في أن
يكون اليمن مركز إشعاع لساحة الجزيرة والخليج .. يرشد ويضيء طريق الثورة لجميع
المناضلين والتقدميين في هذه الساحة التي تشهد مداً ثورياً زاخراً باستمرار
."وكان هذا استفزازاً واضحاً ، ليس للدولة الجارة فقط ، بل لكل الأنظمة
العربية التي كانت قادرة على كسر عظم دولة الجنوب الفتية آنذاك ! .
وبنفس أسلوب الاستعمار القديم الذي عادة ما يبدأ
بحرب استفزازية على البلد المراد احتلالها ، ليعقبها اتفاق ثم احتلال ، فقد
كانت حرب 1972م على الجنوب ، كرد فعل على استفزاز عبد الفتاح ، وعلى نتائج ذلك المؤتمر ، ليعقبها لقاء عبد الرحمن الإرياني وسالم ربيِّع
في نوفمبر 1972م في طرابلس اللذان
اتفقا على إقامة دولة واحدة تسمى الجمهورية اليمنية ، وأن يكون لها علم واحد ذو
الألوان الثلاثة الأحمر فالأبيض فالأسود ( وكان ذلك هو علم الجبهة القومية ) وأن
تكون مدينة صنعاء عاصمتها ، ويكون الإسلام دين الدولة ، والشريعة الإسلامية المصدر
الرئيسي للتشريع .
وللغرض ذاته ، عمد حزب حوشي في المناطق
الوسطى على استفزاز نظام صنعاء من اجل اندلاع ثاني حرب بين الدولتين بعد المؤتمر الأول للحزب
الاشتراكي الذي تكون من دمج الأحزاب اليسارية الشمالية الممثلة بحزب الوحدة
الشعبية اليمنية (حوشي) بتنظيم الجبهة القومية ، من أجل تثبيت اتفاقية أخرى ،
فتحقق المراد بلقاء عبد الفتاح وعلي عبد الله صالح في قمة الكويت في 30 مارس 1979م
- وكلاهما من اليمن - للتفاوض على صيغة للوحدة بين الدولتين ، بعد أن ثبـّت
عبد الفتاح المعارضة اليسارية الشمالية في قيادة الحزب والدولة
الجنوبية .
عاد عبد الفتاح من الكويت بمشروع
وحدة اندماجية فورية رفضته القيادات
الجنوبية ، الأمر الذي أدى إلى إبعاده من
قيادة الحزب والدولة إلى المنفى . وبعودته إلى عدن بعد 4 سنوات ، وصل الصراع على
السلطة أوجه في مطلع 1986م الذي انتهى بالمشروع الإستراتيجي الذي تم تنفيذه في 13
يناير لتصفية من تبقى من القيادات الشرعية الجنوبية الصلبة ليسهل بذلك الانقضاض
على الجنوب وإعلان ضمه جريحاً إلى دولة "الإسلام "على خلفية الاتفاقيات الثنائية
السابقة !... والله المستعان .
بقلم: د. عبيد البري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق