الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

مؤتمر الحوار اليمني .. والمرحلة الانتقالية من احتلال الجنوب


 د. عبيد البري
السبت 14 سبتمبر 2013 01:06 مساءً

ليس هناك شك أن نظام صنعاء قد أقنع نفسه بوهم الحفاظ على سيطرته على الجنوب العربي . الوهم الذي  استمده من الوعود الدولية والإقليمية لدعم المبادرة الخليجية التي أعدها الرئيس المخلوع  من أجل منحه - ومن معه - الحصانة التي بدورها تضمن ما تم الاتفاق عليه بينه وبين الأنظمة الإقليمية والدولية . وهمٌ عززه ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر من خلال تظليل المجتمع الدولي بأن حواراً  يجري في صنعاء يمثل فيه الجنوبيون نسبة 50 % ، بل أن الأخطر والمعيب في الأمر  أن يعتبر السيد جمال بنعمر  بأن مجموع الجنوبيين الذين يشكلون أقل من الـ 15 %  يمثلون الحراك الجنوبي في الحوار .

وللأسف أنه ما كان لنظام صنعاء ولا للسيد جمال بنعمر أن يظللان العالم  ليسيران بالحوار نحو الهاوية لولا وجود بعض من الأخوة الجنوبيين في الحوار اليمني تحت شعار ديماغوجي ( خادع ) وخطير هو : " حق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية بكامل حدودها " .. فكلمة "حق" التي تتصدر هذا الشعار يراد بها باطلاً وإثماً عظيماً ، لأن المقصود بها  هو تثبيت كلمة "حق"  بحسب مفهوم القوى السياسية اليمنية كـ " حق مكتسب " بالنسبة للشعب الجنوبي باعتبار أنه كانت له دولة مستقلة في فترة معينة لكنها كانت خارجة عن " الحق الأصلي " المتمثل باليمن الموحد الذي يزعمون أنه كان كذلك في عهد دولة سبا . وقد يكون من السهل الحصول على الاعتراف بـ " الحق " ... لكن أين الحق نفسه ؟!.

لقد بدأ إعداد بعض من الأخوة الجنوبيين للمشاركة في مسرحية الحوار اليمني للقبول بـ(دولة اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي) واضحاً منذ ظهور الأخوة الذين اعتاد أن يصفهم نظام صنعاء بـ " المعارضة الجنوبية في الخارج " ، في حين كنا نصفهم نحن في الجنوب بـ " القيادات الجنوبية في الخارج " ، حيث لوحظ أن النتيجة المباشرة للاتصالات السياسية معهم – داخلياً وخارجياً - قد أثمرت عن عقد مؤتمر "جنوبي" في القاهرة في نوفمبر 2011م تحت شعار " معاً من أجل حق تقرير المصير لشعب الجنوب " وتحت رعاية السفارة اليمنية في القاهرة   ، وبالاستفادة من الفرص المتاحة لهم للتواصل إقليمياً ودولياً .

بذلك حسم أولئك الأخوة الجنوبيين أمرهم في مؤتمر القاهرة ، فقرروا وحدة فيدرالية متفق عليها مع نظام صنعاء بحيث يستفتى بعدها "شعب الجنوب" إذا ما أستطاع أصحاب ذلك المشروع  تحقيق " حق تقرير المصير .." كهدف عُقد من أجله ما سمي بـ "مؤتمر شعب الجنوب" في عدن لإعداد وتجهيز أولئك الأخوة الجنوبيين للمشاركة في حوار صنعاء لإكسابه مشروعية  بوجودهم  فيه ، لتحقيق الالتفاف على الحق العاجل والشرعي للشعب الجنوبي في التحرير والاستقلال ، غير آبهين باعتراض الشعب الجنوبي الذي خرج إلى الشارع في عدة تظاهرات مليونية للاحتجاج على ذلك المؤتمر وعلى مشاركتهم فيه .

ومن نافلة القول ، سيخطئ نظام صنعاء إذا ما تهيأ له بأنه استفاد من تجربة إسرائيل بعد اتفاقية أوسلو ، في تعاملها مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بها الدول الكبرى ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني تمهيداً لتلك الاتفاقية ، حيث قبلت منظمة التحرير نيابة عن الشعب الفلسطيني عام 1991 بإقامة سلطة حكم ذاتي لفترة انتقالية لا تتجاوز 5 سنوات للوصول إلى تسوية تامة تبنى على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 ، 338 اللذان أكدا على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 .. بل أن النص الإنجليزي للقرار قد تحول فيما بعد – بحذف " الــ" التعريف – إلى  (أراضٍ احتلتها إسرائيل ...)

فوفقاً لاتفاقية أوسلو اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير ، واعترفت المنظمة بدولة إسرائيل (على 78 % من أراضي فلسطين) وقبلت أيضاً بامتناعها عن مقاومة إسرائيل . وكانت النتيجة لمصلحة إسرائيل بحصولها على اعتراف فلسطيني بها ،  وبضمان حقها في "القمع الشرعي" لأي مقاومة فلسطينية ، بالإضافة إلى استفادتها من نشوء الصراع السياسي والعسكري بين القوى السياسية الفلسطينية بسبب معارضة عدة أطراف لتلك الاتفاقية وتهديدها لأمن إسرائيل ، الأمر الذي أدى إلى البحث عن حل دولي لصراع الفلسطينيين مع بعضهم بدلاً عن حل لصراعهم مع إسرائيل .

ولكننا نستطيع القول أن الفرق الجوهري بين الاحتلال اليمني للجنوب والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يكمن في موقف الشعبين من الاحتلال في كل من اليمن وإسرائيل . فالشعب اليمني ليس له مصلحة مادية أو طائفية أو سياسية في احتلال النظام اليمني لدولة الجنوب ، على عكس ما هدفت إليه عصابة نظام صنعاء  في العام 1994 واستفادت منه ؛ كما أن فترة الـ 23  سنة الماضية منذ دمج الدولتين إلى اليوم قد أثبتت للشعب اليمني - بالملموس وبشكل واضح - بأن تلك الفترة لم تكن إلا عبارة عن تجربة قاسية من التخلف والفقر والجهل وانهيار شامل في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية .

كما أن الشعب اليمني - المنتمي لدولة الجمهورية العربية اليمنية – اليوم لم يعد  كما كان بالأمس ، وبالذات في ما يتعلق بموقفه من ثقافة أعمدة سلطة الدولة التقليدية وتبعيته لها في فترات سابقة وفقاً لتقاليد سياسية واجتماعية تم انحسار بعضها بفعل التأثير الثقافي الناتج عن دمج الشعبين في كل من دولتي الشمال والجنوب ، وإطلاعه على مختلف الثقافات عبر وسائل الإعلام الحديثة والمتعددة . فأصبح كل من الشعبين يدرك أن الحرية حق شعبي لا يمكن إدراكه إلا بمراعاة حق الشعوب المجاورة في التمتع الكامل فيه ، حيث أن الشعوب هي التي تختار حريتها بنفسها وليس عبر مؤتمر تفرضه أي سلطة عليها .

ولذلك فأن السلطات اليمنية القائمة حاليا لا تسعى من خلال مؤتمر الحوار اليمني الذي أعدت مخرجاته بالطريقة المتفق عليها مسبقاً إلا  لخدمة مصالحها فقط ، وتعتبر الحوار فرصة جديدة لتشريع وتجديد استبدادها على الشعب في كل من الجنوب والشمال على حد سواء . فقد تستغل ذلك الاعتراف والدعم الدولي للمؤتمر المبني على مصالح دولية معها ، ولكنها لن توفي بها  . وقد تستطيع أن تصور "التناقض" على شكل "توافق" بواسطة تلك العناصر الموكل إليها  الأمر طالما المال متوفر والظروف ملائمة ؛ ولكن ماذا بعد عندما يسمع العالم أن نتيجة المؤتمر ليست إلا مجرد الإقرار بـ (مرحلة انتقالية لدولة " الوحدة بالقوة ") ؟ .. بل ماذا بعد أن يأتي رد الفعل الشعبي على تلك المسرحية ؟! .


اقرأ المزيد من
 عدن الغد | مؤتمر الحوار اليمني .. والمرحلة الانتقالية من احتلال الجنوب http://adenalghad.net/news/66750/#.UjmV0cbWMrw#ixzz2fFFQqdVe

السيد جمال بنعمر .. ضابط إيقاع الفريق الجنوبي


تعشّم الشعب الجنوبي خيراً في اختيار الأستاذ جمال بن عمر مبعوثاً  للسكرتير العام للأمم المتحدة إلى اليمن ، ليعمل - كإنسان عربي - بكامل جهوده في حل أزمة اليمن ، على اعتبار أن العربي أكثر فهماً لأخيه العربي ، وكان عليه أن يحصر جهوده في مساعدة القوى السياسية في اليمن لانجاز عملية التسوية السياسية المتمثلة بالمبادرة الخليجية بشأن اليمن وآليتـها المزمنة ؛ لكنه – للأسف – وقع في المستنقع الذي وقع فيه غيره في فترة سابقة وأزمة سابقة .

لقد بذل الأستاذ جمال بن عمر جهوده لاستدعاء وقيادة فريق جنوبي إلى الحوار اليمني أكثر من المسعى المطلوب منه للتوسط بين طرفي الأزمة اليمنية المتمثلان بالتحالف الوطني (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه)  والمجلس الوطني (أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه) ؛ ولكن الأزمة ، في حقيقة الأمر ، قد تجاوزت التكتلات الحزبية بكل خلفياتها القبلية - المذهبية والهيمنة (الاقتصادية والعسكرية) وغيرها من التعقيدات التي واجهها السيد جمال بن عمر .. إنها أزمة التنافس على السلطة بين أمراء نهب ثروات الجنوب ، للتهرب من استحقاقات الثورة الجنوبية .. أزمة التسابق على السيطرة على أرض الجنوب  .

والسيد جمال بنعمر يدرك تماماً أنه ليست هناك أي إمكانية لإنجاح وحدة يمنية مبنية على استخدام القوة ، وأنه لم تفشل فقط العديد من الدول العربية في مشاريع وحدوية بين دولتين أو أكثر ، بل شهدت بعضها حروباً عدوانية مدمرة ونزعة احتلال الدولة الكبيرة للأصغر منها . ويدرك أن المشروع القومي العربي في الوحدة العربية قد تم استبداله بمشروع التعاون والتضامن العربي . ولذلك لا تستطيع أي مبادرة مهما كانت عدالتها أن تحيي الوحدة اليمنية التي انتهت فعلياً في الواقع وفي النفوس ، بل تشوهت معانيها أيضاً .

وللأسف أن الأخوة الجنوبيين في السلطة – ومن يرتبط بهم - قد رسخوا لدى السيد  بنعمر انطباعاً مفاده أن الوضع في اليمن ، كدولة فاشلة ، يعبر عن تاريخ دولتين لشعب واحد . ولكن ليست المشكلة فقط في جعل تجربة الوحدة اليمنية الفاشلة مصدر إحباط لعلاقات الشعوب العربية مع بعضها ، بل أن الاستمرار في فرض واقع - بوجود جمال بنعمر - لا يرضى به الشعب الجنوبي ، لن يرضى به الشعب العربي مستقبلاً ، وسيذكر التاريخ أن الوسيط الأممي في أزمة اليمن ، الذي لعب دوراً في ظلم الشعب الجنوبي كان عربياً مغربياً .

لقد كنا نتوقع أن الأستاذ جمال بنعمر سيكرس جهوده لإنهاء الأزمة في اليمن على طريق تبني مطلب شعب الجنوب أمام المنظمة الدولية كشعب مظلوم لا يستطيع البقاء خاضعاً لسلطة عصابات في صنعاء عرف عنها بن عمر ما لم يعرفه أي من الشعوب العربية ، حيث كانت لنا  ثقة بمهنية المبعوث الأممي ، واكتشافه لمصادر ومنابع الظلم على هذا الشعب الجنوبي العربي ، وخطورة سكوته عن ممارسة ظلم العربي لأخيه العربي ، وباعتبار أن المبعوث الأممي هو أولاً وأخيراً رجلاً عربيا من أصل كريم .

د. عبيد البري

الاثنين، 9 سبتمبر 2013

العدوان على سورية عار على العرب وإفلاس لأخلاق الغرب

      
تجري حالياً حرب إعلامية ونفسية تقودها الولايات المتحدة برئاسة أوباما من خلال التهديد بشن عدوان عسكري أمريكي لضرب سورية تحشد له أمريكا دعماً دولياً أوروبياً وعربياً كعقاب للنظام السوري - برئاسة بشار الأسد – إثر استخدام أسلحة كيماوية أودت بحياة المئات من المواطنين السوريين ، حيث تضع أمريكا نفسها في وضع شرطي العالم الذي يهمه أمن البشرية والحفاظ على أرواح البشر في حين لا تزال آثار ومضاعفات الهجوم الأمريكي بالقنابل النووية  على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين - اللتان حصدتا أرواح أكثر من 220 ألف إنسان - ماثلة أمام العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .

صحيح أن انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب بانهيار المنظومة الاشتراكية قد أتاح للولايات المتحدة كـ (دولة) فرصة الهيمنة على العالم وعلى المنظمة الدولية ومجلس الأمن الدولي كونها تمثل قوة عظمى عسكرياً واقتصادياً ، إلا أن ذلك لا يعني أن شعوب العالم يجب أن ترضخ لأدوات القوة التي تمتلكها هذه الدولة العظمى وحليفاتها السابقة – الحالية لتتخلى (الشعوب) عن القيم الأخلاقية والمبادئ والأسس السياسية والقانونية التي بموجبها توحدت الأمم ونُظمت العلاقات الدولية ووُقعت الاتفاقيات الدولية وأنشئت المنظمات الإنسانية .

وبالرغم من أن الولايات المتحدة تقدم نموذجاً للديمقراطية إلى حد ما – لا يرتقي إلى ديمقراطيات دول أخرى أوروبية وآسيوية – فإن ما نراه في سلوكها لا يعبر إلا عن تخوفها من مصير الإفلاس السياسي المنتظر في ظل وجودها على رأس القطب العالمي الأوحد ، ولذلك نجدها تدير بؤر التوتر والصراعات السياسية الطائفية والإثنية إلى جانب خلقها عدو مشترك لشعوب العالم ذو صفة إرهابية عالمية كذريعة لتدخلها في شئون بلدان الشرق الأوسط  تحديداً بعد أن تضمن زعزعة الأمن والاستقرار فيها وتفشل أنظمتها .

فليس غريباً ولا خافياً أن تقرر الولايات المتحدة - بعد فشل مشروعها "الإخواني" - شن ضربة عسكرية عدوانية على سوريا لشل قدرتها الدفاعية أمام التيارات الإسلامية التي تأسست بمباركة أمريكية عام 2007 وتمويل دولة عربية تتميز بمساحة صغيرة مع فائض في ثروتها في باطن الأرض ، لإجبار النظام السوري على مغادرة البلد وتركها ضعيفة للجماعات الإسلامية وللمرتزقة ولكل أشكال الفوضى ، وبالتالي دفع بعضها للتحرش بإسرائيل لكي تحقق حلمها في مد سيطرتها إلى الفرات . وكذلك ليس غريباً أن تتلهف فرنسا للقيام بالضربة لدعم الجيش الحر الذي دعمته بالمال والسلاح لاستعادت نفوذها السابق في المنطقة .

إن توجيه الضربة العسكرية الأمريكية المحتملة لسوريا هي ضربة لمقدرات الشعب العربي السوري وللكرامة العربية ، وليست للرئيس بشار الأسد وعصابته في النظام ، فتلك العصابة يمكن أن ترحل عاجلاً أم آجلاً ولا يهمها حجم الدمار في البلد . كما أنه باستطاعة المجتمع الدولي إجبار العصابة على مغادرة سوريا وتقديمها لمحاكمة دولية عادلة دون الإضرار بالشعب السوري مادياً أو معنوياً . وكذلك تستطيع المنظمة الدولية ومجلس الأمن نزع الأسلحة الكيماوية إذا ما ثبت وجودها داخل سوريا لدى أي طرف ، ولو باستخدام أي شكل من أشكال القوة الدولية المحددة لذلك الغرض .

أليس علينا كشعب عربي أن نسأل عن الفرق بين زعيم أوروبي يطرح موقفه المساند لمشروع الضربة للاستفتاء أمام ممثلي الشعب ، وبين زعيم عربي يطالب الغرب بتنفيذ مشروع الضربة العسكرية – ظاهراً وباطناً – بحيث يتحمل تكاليفها على حساب أموال وطنه وشعبه ، لضرب مقدرات شعب عربي شقيق لشعبه كان ينتظر منه أي نوع من المساندة ؟! .. ألا يعتبر هذا وما يرافقه من صمت عربي عاراً على العرب في حين تخرج مظاهرات شعبية في دول الغرب للاحتجاج على تلك الضربة المحتملة ؟! .

وأخيرا ، متى يكون للسيد بان كي مون  كلام آخر يقوله في الشأن العربي غير التعبير عن قلقه وأسفه ؟! .


د. عبيد البري