العصيان المدني ليس عملاً حماسياً ، بل هو عمل شعبي واعي وهادف ، وليس هناك
من لا يعرف الأسباب والضرورات السياسية
التي تستدعي القيام بالعصيان مدني .. ولذلك ليس صادقاً من يدعو إلى عصيان مدني
بدون تحديد الهدف المباشر لهذا النشاط الجماهيري .
ولكن كيف يتحدد الهدف ؟!
يختلف العصيان المدني عن الإضراب الذي تدعو إليه النقابات العمالية لتحقيق
مطالبها ، فعندما يتعصى العمال ، مثلاً ، على صاحب المصنع الظالم فهم يهدفون إلى تعطيل
عمل المصنع وبالتالي إغلاقه .
ما دور الوعي بعملية العصيان ؟! ..
يدرك جميع العمال بأنهم ملتزمون أخلاقيا أمام بعضهم البعض بتحملهم النتائج
المباشرة لقرارهم في ما يخص مستقبل وضعهم المعيشي كجزء من المجتمع .. وأهمية ألا
يبقى منهم من يقوم بتشغيل المصنع .. وهكذا يتعطل عمل المصنع فيتحقق الهدف المباشر لتلك
الجماعة .
وبالمثل ، هناك أهداف أخرى مباشرة للعصيان المدني أهمها : تعطيل نشاط الشركات
التجارية الكبرى ، والموانئ البحرية والجوية ومؤسسات النقل والمواصلات والسكك الحديدية ،
والمناجم واستخراج وتكرير النفط ، والبنوك
الكبرى ، بالإضافة إلى مقاطعة شعبية تامة للبضائع المحتكرة للسوق .
وماذا عن الهدف الغير مباشر إذاً ؟!
عندما يسود الوعي الجماهيري وتتوحد الإرادة الشعبية بضرورة إجبار النظام
المستبد على تسليم السلطة أو إجبار
المستعمر على الرحيل ، فإن إحداث شلل تام لحركة
الاقتصاد الذي ترتكز عليه تلك الدولة سينتهي مبرر وجودها كدولة مستبدة ، وبالتالي
تتلاشى سلطاتها التي (كانت) تقوم بدور الحماية لمصالحها الاقتصادية ، فتضطر مُجبرة
لتسليم السلطة للشعب .
وفي هذا السياق ، هل يهدف العصيان المدني في الجنوب إلى التحرير أم إلى الضغط على السلطة لتلبية مطالب محددة ؟! ..
أشار السيد جمال بن عمر في سياق تقريره الأخير إلى مجلس الأمن الدولي ، إلى
العصيان المدني في الجنوب وكأنه نوع من نشاطاًت المعارضة لغرض استبدال العمل
الثوري الجنوبي بـ" أعمال عصيان مدني" ، وحاول أن يبيّن أيضاً بأنه
عملية ضغط منظمة لغرض معالجة مظالم رئيسية
على الجنوب في إطار تلك الدولة الفاشلة قائلاً :
" لوحظت أعمال عصيان مدني منظمة أسبوعياً ، ينجم عنها أحياناً جرحى وقتلى . كان تشكيل لجنتين لمعاجلة قضايا
الاستيلاء غير القانوني وغير المشروع على الممتلكات ، وقضايا الفصل التعسفي من الجيش
والخدمة المدنية ، خطوة أولى بالغة الأهمية على طريق معالجة المظالم الرئيسة
".
ورأى السيد بن عمر أنه يمكن الحد من تصاعد العصيان المدني بمد السلطة بالمزيد
من المال لتقديم علاجات فعالة لتلك المظالم
، حيث أضاف : " لكن ، بينما تواصل اللجنتان مساعيهما الحثيثة لجمع الشكاوى
والحالات وتوثيقها ، فإنهما ستحتاجان موارد أكبر بكثير لإنجاز مهامهما وتقديم
علاجات فعّالة . علاوة على ذلك ، إن لم تتخذ الحكومة مزيداً من إجراءات بناء الثقة
أو تحدث تحسيناً ملموساً في الحياة اليومية للناس ، ستزداد الأصوات الغاضبة وتتقلص
مساحة الحوار" .
وأخيراً ، دعونا نسأل أولئك الداعين إلى "عصيان الحياة المدنية في الجنوب"
، لماذا يستهدف عصيانهم الطرقات والمدارس
والمستشفيات والمحلات التجارية الصغيرة ؟! .. وما أهمية ما قاله
جمال بن عمر أمام مجلس الأمن الدولي عن العصيان المدني الجنوبي ؟! .
والله المستعان .
د. عبيد البري